(4) انفتاح العقول المثقفة على شيء من المنطق والفلسفة بعد توفر قسط من الحرية النسبية في هذا المجال، ومن اثر ذلك ان تعمق النظرة إلى الظواهر الإنسانية ومن بينها الشعر، والأدب بعامة.

(5) الأثر المشرقي: فالقرن الخامس في الأندلس جاء بعد النهضة النقدية في المشرق على يد ابن طباطبا والآمدي والحاتمي والجرجاني، وقد وصلت كتبهم إلى أيدي الأندلسيين ففتحت أمامهم مجال القول في النقد.

الوضع الأندلسي والشعر الأندلسي يوجهان النقد الأدبي

فمن طبيعة الوضع الأندلسي وطبيعة الشعر الأندلسي نفسه اتخذ النقد الأدبي وجودة وسماته: أما طبيعة الوضع الأندلسي فكانت تتمثل في احتذاء المشرق، فلما تنبهت الأندلس إلى شخصيتها في المجال العلمي والأدبي، كان النقد الأدبي دفاعاً عن هذه الشخصية ضد الظلم أو التجاهل أو الاتهام بان الأندلس ليس فيها أدباء وشعراء؛ ومن طبيعة الوضع الأندلسي ان يكون الرابط فيها فقيهاً، وأن تكون الصبغة الخارجية للحياة دينية، ولذلك لم يستطع النقد أن يتخلص من الأحكام الأخلاقية؛ وكان مما يزيد الأندلسيين شعوراً بذلك، تلك الفرقة التي نجمت في القرن الخامس، فقسمت الأندلس إلى دول متناحرة يذكى الشعر تناحرها، ويزين لكل أمير فيها أنه وحده ظل الله على الأرض، وكان لابد أن يكون الناقد انفذ بصراً من الشاعر الذي توجهه الحاجة وتحمله المبالغة إلى أقصاها؛ كان يبدو للناظر المتأمل أن الشعر إذن يقترن من ناحية بالضعة والتكسب، مثلما يقترن من ناحية أخرى بترسيخ جذور الانقسامات السياسية والضعف الناشئ عنها، ومن ثم فهو شيء غير أخلاقي إذا نظرنا إليه من زاوية مثالية؛ وقد يقال ألم تكن الحال كذلك في المشرق؟ والجواب على ذلك أن المشارقة نظروا إلى الظاهرة الشعرية - من حيث هي ظاهرة إنسانية -، وفصلوا بين الشعر والحياة نفسها، فاخذوا يتجادلون حول المشكلة - أو المشكلات

طور بواسطة نورين ميديا © 2015