التي تمثلها هذه الظاهرة، أو يتناظرون حول شاعر ما بعد أن يفصلوا شعره من ملابسات الأوضاع التي عاشها، ولكن الأندلسيين نظروا إلى حياة الشعر، إلى الشعر في الحياة، ولذلك لم تهمهم المشكلات النقدية الكبرى التي أثارها المشارقة، من زاوية التجريد، ولسنا نقول ان كل ناقد أندلسي فلابد أن يكون اخلاقياً، ولكن يكفي ان نلحظ قوة هذا التيار في النقد الأندلسي.
ومن طبيعة الشعر الأندلسي أول الأمر انه تربى على الذوق المحدث، ونما فيه هذا الاتجاه بقوة، وأسعفت الحضارة الأندلسية على استقوائه، فاهتم بوصف الجمال في الطبيعة والانسان، - كما حدث في شعر المشارقة المحدثين - عن طريق الصورة أو قل الإكثار من التشبيهات، ولذلك كان من أبرز العناصر التي التفت إليها الناقد المتذوق عنصر التشبيه، وحسبنا أن نجد كتابين في أوائل القرن الخامس يكتبان في التشبيهات أحدهما كتاب أبي الحسن علي ابن محمد بن أبي الحسين الكاتب (?) والثاني كتاب ابن الكتاني الطبيب (?) . وكلاهما مقصور على تشبيهات الأندلسيين دون سواها؛ وكلما تحضر الذوق زاد التفنن في طلب الصورة، وسوف تكون المحاولة في المستقبل قاعدة هامة في الذوق النقدي أثناء القرن الخامس والقرون التالية.
ومن طبيعة الشعر الأندلسي أيضاً أن التيار الذي سمي طريقة العرب. حين جاور مذهب المحدثين، عايشه في هدوء، وسار التياران متوازيين دون صراع، حتى لتجدهما معاً في شعر الشاعر الواحد، وقد كانت حيوية الصراع بين التيار القديم والمحدث سبباً في خصب النقد المشرقي، ولذا فقدت هذه الحيوية في النقد الأندلسي، وأسعف على فقدانها غياب ضروب أخرى من الصراع شهدها المشرق، كالمعركة الخفية حول الشعر والمنطق، أو حول شاعرين متباعدين الطريقة، أو حول شاعر يشذ عما حوله. وليس أدل