أسباب ساعدت على استقواء النقد
ولكن كان لابد للطاقات النقدية أن تقوى في الاندلس، على مر الزمن، لأسباب عديدة منها:
(?) الحركة الثقافية التي أوجدها الحكم المستنصر (350 - 366) ، فهذه الحركة بعثت في الأندلسيين شعوراً بالثقة، حين ميزت بين التبعية الكاملة للمشرق والاستقلال الذاتي، وأعانت على النظرة إلى ما يمكن أن يسمى " شعر الأندلسيين " مستقلاً أو متصلاً بالحركة الشعرية عامة في البلاد الإسلامية، مثلما أن الثقافات التي انتشرت بجهود الحكم قد ساعدت على إيجاد الوعي العميق عن طريق المفارقة والمقارنة، وهي أول حوافز النقد.
(2) إنشاء ديوان للشعراء لا يقيد فيه اسم الشاعر لينال عطاء إلا بعد أن يثبت تفوقه، ونحن وإن كنا نجهل الكثير عن المقاييس النقدية التي كان يستخدمها المحكمون، ولا نستطيع تبرئتهم من الانسياق مع الذوق الذاتي، فإننا نقدر أن المنافسة وحدها كانت كفيلة - عن طريق الأخذ والرد - بإثارة الأذهان للنقد وأحياناً للتجريح أو التهكم. وفي كل ذلك تكمن تربة صالحة لنمو نقد سليم (?) .
(3) الانهيار الذي أصاب قرطبة (أم الأندلس) بسبب الفتنة البربرية (399) ، فقضى على العمران وعلى الوحدة السياسية وأشاع القلق والاختلال في المقاييس، ورمى الشعر - مؤقتاً - في الكساد، وخلق طبقة من أدعياء الثقافة فأدى إلى نقمة الشعراء على أوضاعهم وعلى دعاوى المدعين وإلى محاولة المقارنة بين الماضي والحاضر، وإلى استرداد القيم التي أخذت تتحطم، وكان النقد الأدبي من نتائج ذلك كله.