المعاني المخترعة عند شعراء آخرين
فإذا انتهى من الحديث عن امرئ القيس انتقل إلى ضروب من المعاني المخترعة عند غيره من الشعراء، والمعاني التي أخذت حقها من اللفظ فلم يبق فيها فضلة تلتمس (?) ؛ والتحيل على السرقة بالزيادة أو الإيجاز أو العكس أو النقل من موضوع إلى موضوع؛ ثم وجد ان الشاعرين يتفقان أحياناً في قسم من قسمي البيت وأحياناً في البيت كله وهذا أقل؛ ثم بين رأيه في هذه الناحية بقوله: " والذي اعتقده وأقول به أنه لم يخف على حاذق بالصنعة أن الصانع إذا صنع شعراً ما وقافية ما، وكان لمن قبله من الشعراء شعر في ذلك الوزن وذلك الروي وأراد المتأخر معنى به فأخذ في نظمه، أن الوزن يحضره والقافية تضطره وسياق الألفاظ يحدوه حتى يورده نفس كلام الأول ومعناه حتى كأنه سمعه وقصد سرقته وإن لم يكن سمعه قط " (?) فابن رشيق هنا يحيل على الحفظ، فالشاعر الذي يحفظ قصائد كثيرة، ثم يحاول أن يضع قصيدة على وزن ما وروي ما، فلابد ان تضطره طبيعة التركيب والإيقاع من أن يكرر ما عند غيره تكريراً لفظياً أحياناً؛ وهذا نوع مختلف عما يسمى توارد الخواطر، يشبه ان يكون شيئاً محتوماً في طبيعة الوزن والقافية في اللغة العربية.
شاهد على التوارد في تجربته الذاتية
ويحدثنا ابن رشيق في هذه الرسالة عن بعض تجاربه الخاصة، إذ يرى إن بعض ما يقع اتفاقاً لا يعد سرقة، فهو قد نظم قصيدة في رثاء السيدة الجليلة، فذكر حلق الشعور ولبس المسوح ورثى آخر فذكر الكسوف، وهذا لا يعد سرقاً. ولا أدري ما الفرق بين هذا الذي يقوله ابن رشيق وبين ما سماه النقاد المعاني المتداولة. كذلك حدثنا انه صنع ذات يوم وقد