القسيم الثاني، أفعل ذلك فيه كما يفعل من يبني البيت كله على القافية، ولم أر ذلك بمخل علي ولا يزيحني عن مرادي، ولا يغير علي شيئاً من لفظ القسيم الأول إلا في الندرة التي لا يعتد بها أو على جهة التنقيح المفرط " (?) .
(?) الجرأة: وهذه تتمثل في مخالفته للآراء المألوفة المروية عن كبار النقاد. كما تتمثل في أحكام له لا يخاف من الجهر بها. فمن النوع الأول: " ومن الناس من يستحسن الشعر مبنياً بعضه على بعض وأنا استحسن أن يكون كل بيت قائماً بنفسه لا يحتاج إلى ما قبله ولا إلى ما بعده. وما سوى ذلك فهو عندي تقصير إلا في مواضع معروفة مثل الحكايات وما شاكلها فإن بناء اللفظ على اللفظ أجود هنالك من جهة السرد " (?) ؛ ومع أن هذا الرأي قد يفضي في النهاية إلى ضياع الوحدة الظاهرية في القصيدة فإن الذي يريده ابن رشيق هو استقلال كل بيت مع وجود الوحدة العامة، أي الاستقلال الظاهري والوحدة الداخلية، - وغن لم يستعمل هذا المصطلح -. ومن النوع الثاني تفضيله الصورة الحضرية لتشبيه البنان بقضبان من الدر على تشبيه البنان بالأساريع: " وكأني أرى بعض من لا يحسن إلا الاعتراض بلا حجة قد نعى علي هذا المذهب وقال: رد على امرئ القيس، ولم أفعل، ولكني بينت أن طريق العرب القدماء في كثير من الشعر قد خولفت إلى ما هو أليق بالوقت وأشكل بأهله " (?) .
ولهذا نجده ينصح المعاصرين بان يختاروا للوصف الموضوعات الحضرية الموجودة في بيئتهم كصفات الخمر والقيان وما شاكلها ثم صفات البرك والقصور وصفات الجيوش وما اتصل بها؟ الخ (?) .