- 5 -
النقد الأدبي في القيروان
في القرن الخامس
في زمن باديس الصنهاجي وابنه المعز بلغت القيروان ذروة النهضة في الحياتين العلمية والأدبية، ويكفي أن نذكر أمثال الرقيق المؤرخ وابن رشيق وابن شرف والحصري صاحب زهر الآداب، هذا إذا لم نعد كثيرين غيرهم. حتى نتصور طرفاً من تلك النهضة التي لم تلبث أن انهارت بانهيار القيروان نفسها على يد قبائل سليم وهلال حوالي منتصف القرن الخامس. لكن قبل النكبة التي حلت بها وجدت الحياة الأدبية والعلمية فيها تشجيعاً كبيراً من باديس وابنه، وأصبحت القيروان ملتقى المهاجرين والرحالة والكتب المهاجرة من المشرق والأندلس، ويكفي أن يرصد الدارس مصادر ابن رشيق في كتاب العمدة حتى يستكشف ان الثقافة المشرقية كانت سريعة الانتقال إلى افريقية، هذا مع أن كتاب العمدة لا يمثل إلا جانباً صغيراً من تلك الثقافة.
انتقال الطرائق الشعرية والنقدية من المشرق
وكانت هذه النهضة الثقافية ذات أثر في نمو حركة النقد الأدبي، كما أن التنافس الشديد بين الأدباء في حاضرة بني زيري قد زاد من نموها؛ وزاد الأمر حدة أن القوم كانت قد وصلتهم من خلال الثقافة المشرقية مذاهب شعرية متعددة، فهذا يحب طريقة ابن أبي ربيعة، وذاك يميل إلى طريقة في التشبيه تشبه طريقة ابن المعتز، وثالث ينحو منحى جاهلياً، ورابع يغرم بطلب