ومعان يتوصل إليها الشاعر بطريقتين: بالاحتجاج أو التعليل القائمين على التخييل، وهذا النوع الثاني من المعاني هو الأكثر وروداً في الشعر، وفيه يخيل الشاعر للسامع انه يورد حكماً ينطبق على العقل، ولكنه لا يمثل معرفة يقينية، وفي هذا يشترك الشعر والخطابة " ولا يؤخذ الشاعر بان يصحح كون ما جعله أصلاً وعلة كما ادعاه فيما يبرم أو ينقض من قضية، وان يأتي على ما صيره قاعدة وأساساً بينة عقلية بل تسلم مقدمته التي اعتمدها بلا بينة " (?) ، ولهذا انقسم الناس ذوقياً في إيثار ما يؤثرون من الشعر، فبضعهم يريد من الشعر ما حفل بالمعاني التي يشهد بصحتها العقل، وبعضهم يريد منه ما عملت فيه الصنعة ونشرت عليه من شعاعها فأقيم على التخييل والتقريب والتمثيل، وهذا الفريق لا يبدي نفوراً من المبالغة والإغراق واختراع الصور، لأنه يرى أن الشعر لا يطلب فيه صدق الخبر أو يقين العقل. فإذا سئل الجرجاني: ماذا تعني بالتخييل قال: " ما يثبت فيه الشاعر أمراً هو غير ثابت أصلاً ويدعي دعوى لا طريق إلى تحصيلها ويقول قولاً يخدع فيه نفسه ويريها ما لا ترى " (?) ، وذلك ضرب من التزويق لا ينصره العقل، لان العقل يؤثر ما يمكن تلقيه باليقين. وقد جعلنا الجرجاني نعتقد أن " عقلانيته " تقدر هذا النوع العقلي الخالص تقديراً خاصاً حين قال " والعقل بعد على تفضيل القبيل الأول وتقديمه وتفخيم قدره وتعظيمه، وما كان العقل ناصره والتحقيق شاهده فهو العزيز جانبه " (?) ، ولكنه لم يطرح ما قام على التخييل لأنه أدل على القدرة الفنية؛ وإنما اختار من التخييل النوع الشبيه بالحقيقة، وهو الذي تبلغ فيه قوة التعليل درجة عالية، أي يسمح لقوة الاستدلال العقلي أن تستكشف درجة التمويه فيه، أي يمثل لذة عقلية في التدقيق والغوص والاستنتاج، وبذلك رد اللونين من الشعر: اللون القائم على