وقفته عند التناوب بين المكنى والصريح وقيمة التمثيل في ذلك
يقرر عبد القاهر - مثلاً - ان التمثيل إذا جاء في أعقاب المعاني كساها أبهة ورفع من أقدارها وشب من نارها وزادها قوة في التأثير النفسي (فإن كان مدحاً كان أبهى وأفخم؟ وإن كان ذماً كان مسه اوجع وميسه ألذع؟ وغن كان حجاجاً كان برهانه أنور وسلطانه أقهر؟ " ثم يتساءل عن السر في ذلك فيجد العلة فيه أن النفوس تأنس إذا هي خرجت من خفي إلى جلي ومكني إلى صريح لأنها حينئذ تنتهي إلى حال تكون بها أكثر وثوقاً، كأنما تنتقل من العقل إلى الإحساس، ومما يعلم بالفكر إلى ما هو معلوم بالطبع، وهذا التمثيل قد يكون إزالة للريبة بعد مقدمة غريبة كما في قول المتنبي:
فإن تفق الأنام وأنت منهم ... فإن المسك بعض دم الغزال أو قد يكون مبيناً للمقدار وإيراد قياس من غيره يكشف عن حده، كما في قول الشاعر:
فأصبحت من ليلى الغداة كقابض ... على الماء خانته فروج الأصابع ومعلوم أن قوة التمثيل في الأول تزيل الغرابة، وان قوته في الثاني تكشف عن مقدار الحال.
قوة التمثيل من الزاوية العقلية
وقد نذهب إلى الظن بان الجرجاني حين قرن التمثيل بقوة إيراد الشاهد الحي بعد وضع الحكم العقلي إنما يرى أن هذه هي السبيل الضرورية أمام الشاعر، ولكن هذا الظن ما يلبث أن يزول حين نعود فنجد الجرجاني هو ذلك الناقد " العقلاني " الذي يرفع دائماً من قيمة " الفكرة " ويرى الاهتداء إليها من أهم ضروب اللذة النفسية في تتبع صور الجمال؛ فالتمثيل الذي