تنتقل منها إلى دلالة ثانية تصل بها إلى غرض جديد: " وإذ قد عرفت هذه الجملة فهاهنا عبارة مختصرة وهي أن تقول المعنى ومعنى المعنى، تعني بالمعنى المفهوم من ظاهر اللفظ والذي تصل إليه بغير واسطة، وبمعنى المعنى أن تعقل من اللفظ معنى ثم بفضي بك ذلك المعنى إلى معنى آخر " (?) ، فمرحلة " معنى المعنى " هي المستوى الفني من الكتابة والاستعارة والتشبيه، وفي هذه المرحلة يكون التفاوت أيضاً في الصورة أو الصياغة، لأنه تفاوت في الدلالة المعنوية أيضاً، مثلما يحدث أيضاً تفاوت في الدلالة في المرحلة الأولى بين قولك: قام زيد، زيد قام، قائم زيد؟ الخ؟ ومن مرحلة المعنى يتكون " علم المعاني " ومن مرحلة " معنى المعنى " يجيء علم البيان، ولهذا نستطيع أن نقول إن عبد القاهر بعد أن انتهى من كتابه دلائل الإعجاز الذي تحدث فيه حول المعنى، حاول " أن يخصص كتاباً لدراسة " معنى المعنى " فكان من ذلك كتابه " أسرار البلاغة ".

التحليل للنماذج من الزاوية الجمالية ميزة متفردة عند عبد القاهر

وهذا الكتاب الثاني ربما كان أدق كتاب باللغة العربية في الحديث عن ضروب البيان، وفيه من التفسيرات الجمالية ما يدل على ذوق نقدي أصيل، وربما كان عيب الكتب التي اعتمدت عليه في البلاغة من بعد أنها جردته من تلك المسحة الجمالية، وجعلت قواعده أحكاماً صارمة، ليس فيها إحساس الناقد الأصيل، ولا قوة التعليل الذوقي أو الكري، فهنا يدرس الجرجاني التشبيه والتمثيل والاستعارة وهو يلمح دائماً أن " معنى المعنى " يقوم على مستويات متفاوتة في الدلالة والتأثير معاً، بنظرة عميقة شاملة تدل على عمق نفسي فكري في آن، وحسبنا أمثلة منه ذات صلة وثيقة بالمنهج النقدي.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015