ومخرجها من لفظها وطابعها أنه عاجز عن مثلها، ولو تحدى بها أبلغ العرب لأظهر عجزه عنها لغة ولفظاً " (?) ، فالذي يريده الجاحظ هنا هو مبدأ " النظم " وإن عبر عن موقفه بالحديث عن اللغة واللفظ.
وإذا كان عبد القاهر قد استمد نظرية " النظم " من الجاحظ في خطوطها العريضة، فربما كان تفسيره للنظم بأنه " إذا رفع معاني النحو وأحكامه مما بين الكلم حتى لا تراد فيها في جملة ولا تفصيل خرجت الكلم المنطوق ببعضها في أثر بعض، في البيت من الشعر والفصل من النثر من غير أن يكون لكونها في مواضعها التي وضعت فيها موجب ومقتض " (?) - أقول: ربما كان هذا التفسير هو مما اهتدى إليه عبد القاهر نفسه في نطاق تلك النظرية العامة.
الانتقال من المعنى إلى معنى المعنى
وليس من همنا هنا أن نناقش عبد القاهر في نظريته هذه، فذلك يتطلب عرضاً مفصلاً لدقائق كتابيه - الدلائل والأسرار - ولكنا نعتقد إن اتخاذه لهذه الفكرة منطلقاً هو الذي نقله بعد قليل إلى أدق ما نفذ إليه في سياق تلك النظرية، فقد انتقل من تفاوت الدلالات إلى مرحلة لم ينتبه إليها أحد قبله من النقاد؛ وقد أسعفته نظرية الجاحظ في " المعاني المطروحة " على ذلك؛ فقد خيل إليه أن الناس حين أساءوا فهم نظرية الجاحظ، لم يلحظوا تفاوت الدلالات الناجم عن طريق الصياغة، فقولك، خرج زيد، قول تصل منه إلى المقصود بدلالة اللفظ وحده، ولكنك حين تقول: هو كثير رماد القدر، أو: رأيت أسداً، وأنت تريد رجلاً شجاعاً، أو: بلغني أنك تقدم رجلاً وتؤخر أخرى، فإنك في مثل هذه الأقوال تطرح أولاً دلالة أولية