يتحقق في المعنى، أي القضايا الخارجية مهما يكن حظها من الجد والسمو، كأن تكون مما أيد العقل صحته المطلقة، ثم أن التركيز على الصورة وحدها يبعد عبد القاهر من الخوض في العلاقة بينها وبين " الفاعل " لها أو " القوة الفاعلة "، إذ أن تلك العلاقة لا يمكن بحثها في إطار الإعجاز القرآني، وما دام هم الناقد أن يستكشف الجمال الفني (أيا كانت درجته) في الصورة، فإن درجة ذلك الجمال - بالنسبة لغيره - هي التي تشير إلى طبيعة القدرة التي تمكنت من إبراز تلك الصورة - أي أن النتيجة تتخذ دليلاً على الفاعل دون أن تربط به، أو تفضي إلى التحدث عن مدى العلاقة بينها وبينه.

الوحدة في مقياس عبد القاهر

لذلك كانت نظرية النظم (أو التأليف) عند عبد القاهر إنكاراً لتلك الثنائية المضللة وعودة إلى الوحدة، أي ان يعنى الناقد برؤية الصورة مجتمعة من الطرفين معاً دون فصل بينهما؛ وتلك هي فيما يبدو نظرية الجاحظ، حتى حين يمثل عبد القاهر بين الشعر والصياغة والتصوير. وقد كان عبد القاهر يحس أن أخذه بتلك النظرية يخدم فكرة الإعجاز، ويقلل من الانحياز إلى اللفظة المفردة، ويمنح المعنى - من داخل الصورة المركبة - قيمة كبرى، غير إن مصطلح " المعنى " لديه لم يبق كما كان عند الجاحظ بل أصبح يعني " الدلالة " الكلية المستمدة من الوحدة، لا " المادة الأولية " أو الحقائق الخارجية التي تحدث الجاحظ عنها، ولا ندري إلى أي حد استغل عبد القاهر كتاب الجاحظ في نظم القرآن، لترسيخ نظريته، ولكنا نجده يفيء إلى كتاب آخر للجاحظ هو كتاب " النبوة " فينقل عنه قوله: " ولو أن رجلاً قرأ على رجل من خطبائهم وبلغائهم سورة واحدة لتبين له في نظامها

طور بواسطة نورين ميديا © 2015