صنعته وجودتها نظرت إلى الخاتم من حيث انه خاتم، ولم تنظر إلى الفضة أو الذهب الذي صنع منه، فهذه المادة الأولية تشبه المعنى المطروح وليس فيها تفاضل عن شئت أن تحكم على جودة الصنعة نفسها، ولهذا قال الجاحظ بعد أن أورد رأيه في شيوع المعاني (وإنما الشأن في إقامة الوزن وتخير اللفظ وسهولة المخرج وصحة الطبع وكثرة الماء وجودة السبك، وإنما الشعر صياغة وضرب من التصوير " (?) ؛ وإنما الذي دعا الجاحظ وإضرابه إلى تبني هذا المذهب خوفهم على فكرة الإعجاز: فلو أن الفضل كان قاصراً على تلك " المادة الأولية " التي سميت " معنى " بطل أن يكون " لنظم " فضل تتفاوت به المنازل " وإذا بطل ذلك فقد بطل أن يكون في الكلام معجز وصار الأمر إلى ما يقوله اليهود " (?) . أي أصبح الإعجاز أن يحتوي الكلام على حكمة وأدب واستخراج معنى غريب أو تشبيه نادر، وفي هذا تسوية بين القرآن وأية مهارة ذهنية إنسانية.

وعلى أساس هذا التفسير يكون الناس الذين ظنوا أن " المعنى " في نظرية الجاحظ يشير إلى عدم التفاوت في " العملية الفكرية " القائمة وراء البناء الفني، قوماً مخطئين في تصورهم، فهم قد أساءوا فهم ما رمى إليه الجاحظ، لانهلم يتجاوز بما يعنيه " المادة الاولية " التي تتولاها " الروية " بالصياغة، فخلطوا - بذلك - بين تلك المادة الضرورية المشاعة وبين " الروية " الفكرية التي تؤسس " وحدة كاملة " من اللفظ والمعنى تأسيساً متفاوتاً في القدرة على التأثير، فرجعوا الفضيلة إلى اللفظ وحده " ولما أقروا هذا في نفوسهم حملوا كلام العلماء في كل ما نسبوا فيه الفضيلة إلى اللفظ على ظاهره، وأبوا ان ينظروا في الأوصاف التي اتبعوها نسبتهم الفضيلة إلى اللفظ؟.. ولكن جعلوا كالمواصفة بينهم ان يقولوا اللفظ وهم يريدون

طور بواسطة نورين ميديا © 2015