فإذا لم يكن ابن قتيبة - وهو أحد القدماء - معيباً فيما صنع، فإن من جاء بعده قد ضل ضلالاً بعيداً حين اخذ هذه القسمة على ظاهرها (?) ، واعتقد باستقلال اللفظة ومنحها صفات خاصة بها.

حملته على المنحازين إلى جانب المعنى

من جهة ثانية نجد عبد القاهر قد خطأ المنحازين إلى جانب المعنى بشدة لا تقل عن شدته في تخطئته من ذهبوا إلى إبراز مميزات اللفظة المفردة فقال: " واعلم أن الداء الدوي والذي اعيا أمره في هذا الباب غلط من قدم الشعر بمعناه وأقل الاحتفال باللفظ وجعل لا يعطيه من المزية إن هو أعطى إلا ما فضل عن المعنى، فيقول: ما في اللفظ لولا المعنى؟ وهل الكلام إلا بمعناه؟ فأنت تراه لا يقدم شعراً حتى يكون قد أودع حكمة وأدباً واشتمل على تشبيه غريب ومعنى نادر " (?) . وظاهر الأمر دون تمعن كبير، قد يكون في جانب من يذهب هذا المذهب، ولكن عند البحث عن الحقائق نجد أن جميع البلاغيين المتفهمين قد عابوا هذا المذهب، حتى قال الجاحظ قولته المشهورة " المعاني مطروحة في الطريق؟ ".

تفسير لفكرة المعاني المطروحة

ما معنى قول الجاحظ " المعاني مطروحة في الطريق "؟ أترى هذا حطاً من قيمة المعنى الذي يجعل له الجرجاني المقام الأول؟ هنا ينفذ الجرجاني بفهم دقيق إلى سر مشكلة طال حولها الأخذ والرد، فوجه رأي الجاحظ توجيهاً ملائماً لما نعتقد أن الجاحظ رمى إليه: فمصطلح " معنى " كما استعمله الجاحظ ذو دلالة دقيقة، وهو في رأي الجرجاني إنما يتحدث به عن " الأدوات الأولية "، وتفسيراً لذلك يقارن الجاحظ بين الكلام ومادة الصائغ، فهو يصنع من الذهب أو الفضة خاتماً، فإذا أردت الحكم على

طور بواسطة نورين ميديا © 2015