الإشارة مليح الوصل والفصل) : كيف ترى كتابة ابن عباد؟ فكان جواب ابن عبيد مطابقاً لما ذكره أبو حيان نفسه في مستويات البلاغة إذ عابه ابن عبيد باللهج في السجع وقال إن " السجع يجب أن يكون كالطراز في الثوب؟ والخال في الوجه " ثم ذكر ما يسمى " المسلسل " الذي توجد منه أمثلة في كلام الجاحظ ثم قال: " والذي ينبغي أن يهجر رأساً ويرغب عنه جملة التكلف والإغلاق واستعمال الغريب والعويص وما يستهلك المعنى أو يفسده أو يحيله، ويجب ان يكون الغرض الأول في صحة المعنى، والغرض الثاني في تخير اللفظ، والغرض الثالث في تسهيل النظم وحلاوة التأليف واحتلاب الرونق "؟ ثم قال: " فخير الكلام - على هذا التصفح والتحصيل - ما أيده العقل بالحقيقة، وساعده اللفظ بالرقة، وكان له سهولة في السمع، ووقع في النفس، وعذوبة في القلب، وروح في الصدر؟ يجمع لك بين الصحة والبهجة والتمام؛ فأما صحته فمن جهة شهادة العقل بالصواب، وأما بهجته فمن جهة جوهر اللفظ واعتدال القسمة، وأما تمامه فمن جهة النظر الذي يستعير من النفس شغفها ويستثير من الروح كلفها " (?) ، فهذا كله يعبر عن رأي التوحيدي نفسه، على وجه يكاد يكون طابقاً. ويجب ألا ننخدع بثناء أبي حيان على ابن عبيد هنا، فإنه إنما مدحه ليجعل لرأيه مكانه مقبولة وإلا فإنه قد أنحى عليه في موضع آخر بقوله جاعلاً هذا القول على لسان ابن سعدان: " وأما ابن عبيد فكلفه بالخطابة والبلاغة والرسائل والفصاحة قد طرحه في عمق لج لا مطمع في انتقاده منه. ولا طريق إلى صرفه عنه، هذا مع حركات غير متناسبة وشمائل غير دمثة " (?) ؛ غير أن هذا الكلف بقواعد الخطابة والبلاغة يجعل سؤاله إياه عن رأيه في بلاغة أحد الكتاب أمراً طبيعياً.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015