كان أبو حيان يعرف كتاب الخطابة، لاحس أن أستاذه ذا المقام الكبير في نفسه قد خيب ظنه، في هذا المقام. ويسال أبو زكريا الصميري وهو حاضر ذلك المجلس: " وقد يكذب البليغ قد البس لباس الصدق وأعير عليه حل الحق، فالصدق حاكم، وغنما رجع معناه إلى الكذب الذي هو مخالف لصورة العقل الناظم للحقائق ".
هل بلاغته أحسن من بلاغة العرب؟
وعند هذا الكلام يندفع أبو حيان بقوة حبه للغة العربية إلى أن يسال: " هل بلاغة احسن من بلاغة العرب؟ فيجيبه أستاذه، وهو في هذا الموقف علمي الدقة: " هذا لا يبين لنا إلا بان نتكلم بجميع اللغات على مهارة وحذق، ثم نضع القسطاس على واحدة واحدة منها حتى نأتي على آخرها واقصاها، ثم نحكم حكماً بريئاً من الهوى والتقليد والعصبية والمين، وهذا ما لا يطمع فيه إلا ذو عاهة " (?) . غير أن أبا سليمان يهون الأمر على تلميذه، أو يهونه أبو حيان نفسه على نفسه بان ما عرف من اللغات يدل على ان اللغة العربية " أوسع مناهج وألطف مخارج وأعلى مدارج وحروفها أتم وأسماؤها اعظم ومعانيها أوغل ومعارفها أشمل؟ ".
صنوف من مستويات البلاغة
ولم يكتف أبو حيان بتحديد ماهية البلاغة تحديداً كلياً، بل كان يسال أحياناً بعض النقاد رأيهم في بلاغة هذا الكاتب أو ذاك؟ ولم يكن الباعث لسؤاله عن كتابة خصمه اللدود الصاحب بن عباد ومنزلتها من البلاغة، هو محض الرغبة في الفهم، بل كان أبو حيان يحاول كما يعبها هو، فقد سال ابن عبيد الكاتب النصراني (وكان سهل البلاغة حلو اللفظ حسن الاقتضاب غريب