لم يكون شعر العروضي رديئاً

وكذلك كان أبو حيان مشغول الخاطر بأمور مستمدة من التجربة العميقة تتصل بالشعر، فمن ذلك ما لاحظه من أن " العروضي " يكون شعره في الغالب ردئياً، مع أن العروض ميزان؛ وكأني بابي حيان أيضاً ينظر هنا إلى رأي الفلاسفة من حوله بأن " علم " المنطق ميزان الفكر، فمن عري منه لم يبن له وجه الخطأ في أقيسته وفكره. ولذلك يتوجه إلى مسكويه بهذا السؤال: " لم صار العروضي رديء الشعر قليل الماء والمطبوع على خلافه؟ ألم تبن العروض على الطبع؟ أليست هي ميزان الطبع؟ فما بالها تخون؟ قد رأينا بعض من يتذوق وله طبع يخطئ ويخرج من وزن إلى وزن، وما رأينا عروضياً له ذلك، فلم كان هذا - مع هذا الفضل - انقض ممن هو افضل منه " (?) ؟ وخلاصة رد مسكويه أن العروض صناعة، وصاحب الصناعة لا يجري ذي الطبع الجيد الفائق. أما المطبوع من المولدين فإنه أحياناً يكسر العروض لأنه لا يعرف الزحافات، فيخلق بها المنكسر، ويتحقق للشاعر المولد أن يلزم وزناً لا يحيد عنه، فيتجنب بذلك الخروج على قواعد العروض. وقد نفد مسكويه من هذا إلى الفرق بين الشعر الجاهلي والشعر المولد، فزعم أن بعض الأوزان الجاهلية لم تعد تقبلها الأذواق، مع إنها كانت موزونة عند أصحابها، إلا أن طباع المولدين نفرت منها، كقصيدة المرقش:

لابنة عجلان بالطف رسوم ... لم يتعفين والعهد قديم ويعلل ذلك بان الشعر الجاهلي كان مصحوباً بالنغمات، فكانت الألحان تجبر ما فيه من زخارف، غير أن الشعر المولد أصبح يقرأ ولذا فلا بد ان يكون خالياً من الحافات حتى تستسيغه الأذواق (?) .

طور بواسطة نورين ميديا © 2015