خارجة عن طبيعتهما أحياناً، فكان أبو سليمان المنطقي وأبو عابد الكرخي صالح بن علي وعيسى الوزير وابن طراراة الجريري وابن هندو الكاتب ممن يفضلون النثر، وتتفاوت حججهم بين السطحية والعمق: فمن حجج أبي عابد الكرخي أن النثر أصل الكلام والنظم فرعه والأصل اشرف من الفرع وبالنثر نزلت الكتب السماوية والوحدة فيه أظهر، وهو طبيعي في البدأة لان الناس يتكلمون فيه ابتداءً، وهو غير محتاج إلى الضرورات كالشعر (?) ، وكرر أبو سليمان المنطقي أمر ظهور الوحدة في النثر: " النثر اشرف جوهراً والنظم اشرف عرضاً؟ لأن الوحدة في النثر أكثر، والنثر إلى الوحدة اقرب، فمرتبة النظم دون مرتبة النثر، ولان الواحد أول والتابع له ثان " (?) . وذهب عيسى الوزير إلى أن النثر من قبل العقل، والنظم من قبل الحس (?) ، وكأنه يكرر بهذا ما قيل حول حظ الشعر من التخييل وحظ الخطابة من الإقناع؛ ونضرب صفحاً عن حجج الآخرين الذين يفضلون النثر، لأنها قليلة القيمة في ميدان الجدل.

أما الذين يفضلون الشعر فهم في الغالب من طبقة الشعراء: وهم يرون ان الشعر صناعة قائمة بذاتها، بينما النثر (أي الكلام) يستطيعه كل إنسان، وكذلك ذهب هؤلاء إلى ذكر أمور عارضة تبين فضل الشعر كاحتوائه الحكم والشواهد، ونيل الشعراء الجوائز من الممدوحين؟ الخ (?) . وواضح ان هذه الخصومة ما كانت لتصل إلى هذا المستوى لولا تعصب كل فريق لما يحسنه، ومع ذلك فان أبا حيان كان يرى أن الأكثرية يقدمون النظم على النثر، دون ان يحتجوا فيه بظاهر القول، وان الاقلين قدموا النثر

طور بواسطة نورين ميديا © 2015