عليه ماء الصدق ويدنو من لآلاء الحقيقة " (?) ؛ وقد نقول أن أبا حيان يتحدث هنا عن تجربته الذاتية، ولكن قد يكون أيضاً متأثراً بما قاله ابن طباطبا في كيفية نظم الشعر، فالكلامان في طبيعة المعاناة متشابهان.

(ج) استثارة المعاصرين إلى الإجابة عما يتعلق بالمشكلات النقدية:

المفاضلة بين النظم والنثر

ويتميز أبو حيان بذلك الظمأ العقلي الذي كان يحفزه إلى التساؤل الذاتي وإلى إلقاء الأسئلة عما يعتلج في ذهنه ونفسه من مشكلات، ومن أهم المشكلات التي كانت تجول في ذهنه واذهان المفكرين من حوله مشكلة العلاقة بين النظم والنثر. ثم إمكان المفاضلة بينهما، ومنشأ هذه المشكلة فلسفي الطابع، فقد عرف هؤلاء المفكرون ما حام حوله الفكر الفلسفي من أمر التفاوت بين الخطابة والشعر في حظهما من الصدق والكذب وان الخطابة - وهي اقناعية - متساوية الصدق والكذب، أو صادقة بالمساواة - كما قال الفارابي (?) - وان القول الشعري كاذب بالكل (?) ؛ وعلى هذا الأساس فيما أتصور - كتب أبو زيد البلخي كتابه " أقسام العلوم " وجعل العلوم مراتب يفضل بعضها بعضاً (?) ، ونقدر أن في هذا الكتاب حديثاً عن علم الشعر، يلحق بهذا الباب الذي نتحدث فيه؛ وكتب أبو إسحاق الصابي رسالة في تفضيل النثر والنظم (?) ، ولكن الأمر تعدى هذا الحد الفلسفي (الذي قد يساء فيه فهم معنى الصدق والكذب) إلى المناظرات الجدلية، وذهب كل فريق من المتجادلين يستعين في تفضيل الشعر أو النثر بأمور

طور بواسطة نورين ميديا © 2015