مواطن الأخذ من أرسطو والخطأ في ذلك
وفي حديثه عن المحاكاة وأهميتها طرف غير قليل من آراء ارسطو، ولكن بعضه خاطئ أو محرف.. فقوله " ويعرض لنا عند استماعنا الأقاويل الشعرية عن التخييل الذي يقع عنها في أنفسنا شبيه بما يعرض عند نظرنا إلى الشيء الذي يشبه ما نعاف فإنه من ساعتنا يخيل علينا في ذلك الشيء انه مما يعاف، فتنفر أنفسنا منه فنتجنبه " (?) وهو تحريف لقول أرسطو: " والناس يجدون لذة في المحاكاة، وتؤيد التجربة صدق هذه المسألة، فقد تقع أعيننا على أشياء يؤلمنا أن نراها كجثث الموتى وأشكال أحط الحيوانات وأشدها إثارة للتقزز، ومع ذلك فنحن نسر حين نراها محكية حكاية صادقة في الفن وتزداد متعتنا بها حين تتوفر الإصابة في المحاكاة " (?)
وأما تباين الشعراء في قدرتهم على المحاكاة، فإنه مأخوذ من قول ارسطو: " وعلى ذلك انقسم هذا الشعر قسمين مختلفين لتباين شخصيات أصحابه الشعراء، فمن كانت نفوسهم وقورة شامخة اختاروا للمحاكاة أعمال الشخصيات السامية ومغامراتها، بينا صور الشعراء الفكهون شخصيات الأراذل والمحتقرين، ونظم هؤلاء في البدء شعراً هجائياً ساخراً، كما نظم الأولون المدائح والترانيم الإلهية " (?) ولكن ليس في كتاب الشعر أي قسمة للشعراء كالتي جاء بها الفارابي، وليس فيه حديث عن الموانع التي تعوق عمل الشعر، مما تصدى ابن قتيبة لشيء منه في مقدمته على " الشعر والشعراء " وكلمة " طبع " مضطربة الدلالة عند الفارابي، ولكن التفرقة بين جبل على المدح ومن جبل على الهجاء تشير إى اختلاف " شخصيات الشعراء " في العبارة السابقة آنفاً.