(يعني أن حظها من الصدق مساو لحظها من الكذب) بينا الأقاويل الشعرية تخييل والتخييل كذب كله. ولكن كثيراً من الخطباء يغلطون إذ يكونون ذوي قدرة على الأقاويل الشعرية فيستعملون من المحاكاة في الخطابة أزيد مما تستلزمه، فيقول الناس: هذه خطبة بليغة وحقيقة الأمر أنها قول شعري، وكذلك فإن كثيراً من الشعراء ذوي القدرة الإقناعية يضعون في شعرهم الأقاويل المقنعة ويجعلونها موزونة ويسمونها شعراً، وحقيقة الحال أن ذلك قول خطبي عدل به عن منهاج الخطابة، وكثير من الخطباء يجمعون بين الضربين كما يفعل كثير من الشعراء " وعلى هذا يوجد أكثر الشعر " (?) . وهذا من أدق ما نقرؤه في نقد الشعر، ولكنه - فيما يبدو - لم يترك أثراً ما، إذ كانت المقاييس البلاغية قد مزجت الصناعتين وسوت بينهما - على وجه التقريب - ولم يتنبه كثير من الشعراء إلى الأساس الذي ينبني عليه الفرق بين الخطابة والشعر.
ويتفاوت الشعراء في قدرتهم على المحاكاة، وهم بذلك ينقسمون في ثلاث طبقات:
طبقات الشعراء بالنسبة للقدرة على المحاكاة
1 - طبقة تسعفهم حيلتهم وطبيعتهم المهيأة للمحاكاة والتمثيل، إما لنوع واحد من أنواع الشعر وأما لأكثر أنواعه.
2 - طبقة يعرفون الصناعة حق المعرفة حتى لا يند عنهم شيء من خواصها وقوانينها فإذا أخذوا في أي نوع من أنواع الشعر جودوا المحاكاة.
3 - طبقة تقلد هاتين الطبقتين، وتحتذي حذوهما في المحاكاة دون طبع شعري ودون دربة ناعية، وهم اكثر الفئات خطأ وزللاً.