السبب في قدرة المحاكاة على التأثير
والسبب في قوة المحاكاة ان ما يعرض لنا لدى التخييل شبيه بما يعرض لنا عند النظر إلى الشيء نفسه، فلو كان هناك شيء نعافه ولكنه ليس يخيل إلينا انه مما يعاف فتنفر أنفسنا منه فنتجنبه، وإن انه ليس في الحقيقة كما خيل لنا " (?) .
محاكاة المحاكاة
وقد تنتقل المحاكاة خطوة أخرى فتصبح محاكاة المحاكاة كالذي يضع تمثالاً لزيد، ثم يضع مرآة يرى فيها التمثال، فصورة التمثال في المرآة محاكاة لمحاكاة وهذا بعد عن حقيقة زيد برتبتين؛ وكذلك الشعر فإنه قد يحاكي الأشياء التي تحاكي الأمر نفسه، وقد تكثر المتوسطات، " وكثير من الناس يجعلون محاكاة الشيء بالأمر الأبعد أتم وافضل من محاكاته بالأمر الاقرب، ويجعلون الصانع للأقاويل التي بهذه الحال أحق بالمحاكاة وادخل في الصناعة وأجرى على مذهبها " (?) . وليس واضحاً كيف تكون محاكاة المحاكاة " في الشعر، إذ لا نظن ان الفارابي يعني هنا محاكاة نماذج شعرية معتمدة، ولعله إنما يعني الرمز والإيماء والكتابة.
تلبس الشعر بالخطابة والخطابة بالشعر
هذه المحاكاة قوام الشعر - كما تقدم القول - ولكنها ليست عنصراً في الخطابة (وهذا فرق أساسي بين الفنين من القول) إلا في أمر يسير منها إذ يختلف الضربان أيضاً في الغاية " فالأقاويل الخطبية هي التي شانها أن تلتمس بها إقناع الإنسان في أي رأي كان، وان يميل ذهنه إلى أن يسكن إلى ما يقال له ويصدق به تصديقاً ما " (?) والأقاويل الخطابية صادقة بالمساواة