في إعجابه بالبيتين المتقدمين اللذين عدهما من احسن الغزل، وذلك قول الشاعر:
ويهتز للمعروف في طلب العلا ... لتحمد يوماً عند ليلى شمائله فإن في البيت ما يرضي إحساس قدامة العميق بالربط بين الحب " والمعروف " وان " ليلى " امرأة تحب (الشمائل الحلوة " التي تدفع صاحبها إلى طلب العلا - إلى مستوى أخلاقي رفع. ثم إن مما يزيد حال النسيب إشكالاً عند قدامة ان أستاذه أرسططاليس لا يذكر شيئاً عنه عند الحديث عن الشعر، وغنما يكتفي بذكر المدح والهجاء (أو هكذا فهم قدامة) فأما الرثاء فمن السهل قياسه على المدح وان لم يتحدث ارسططاليس عنه.
مقياس الجودة
من كل ذلك يتبين لنا ان قدامة لا يملك مقياساً في النقد إلا الجودة (ويقابلها الرداءة) وفي الطرف الأعلى منتهى الجودة (وفي الادنى منتهى الرداءة) وبين المرحلتين مواقف هي وسائط بين المدح والذم " تشتمل على صفات محمودة وصفات مذمومة. فما كان فيه من النعوت اكثر كان إلى الجودة أميل، وما كان فيه من العيوب أكثر كان إلى الرداءة أرب، وما تكأفات فيه النعوت والعيوب كان وسطاً بين المدح والذم " (?) ؛ فالحكم يتحقق بان تعود إلى ما حدده قدامة من نعوت للبسائط والمركبات، وخاصة نعوت المعاني وعيوبها، في حالتي الأفراد والتركيب، وتعد ما في القصيدة من فضائل، وما فيها من عيوب، وتقرر إلى أي الطرفين تميل، ليكون حكمك نقدياً، ولتكون أنت ممن يعلم النقد، أي تخليص الجيد من الرديء.