نظرة إجمالية

ذلك هو قدامة في النقد، يقف موقف العالم، يصنف كل شيء بمنتهى الدقة والوضوح، ويسيء الظن بالقارئ، فيضع له الأنموذج ليقيس عليه، ولا ريب في أنه بنى أسساً نقدية متكاملة. وغاص بذكائه الفذ على أمور دقيقة في المعاني، وآمن بان النقد يقوم على نظرية محددة؛ وقدامة في كل ذلك نسيج وحده. وغن خالفناه في اكثر ما يريده من الشعر والنقد؛ لقد أراد أن يكون " معلم " النقد في تاريخ الأدب العربي، كما كان أرسططاليس في تاريخ " المنطق " وفي " كتاب الشعر "، ولكن حيث كان كتاب الشعر عاملاً حافزاً. كان كتاب قدامة كالمعلم المتزمت، أو سرير بروكست، من كان طويلاً فلا بد أن يقص جزء منه كي يستطيع ان ينام فيه. وإذا كان كتابه قد لقي من المهاجمين أكثر مما لقي من المؤيدين - كما سنوضح في هذا السياق التاريخي - فإنه يمثل اجتهاداً ذاتياً مدهشاً. وقد كان موضع الرضى لدى أولئك الذين آمنوا بقيمة الفكر والثقافة الفلسفية.

أبو نصر الفارابي (- 339)

سبب اهتمام الفارابي بالخطابة والشعر

كان اهتمام الفارابي بالخطابة والشعر جزءاً من منهجه الفلسفي العام، ولذا فإنه فسر ريطوريقا (كتاب الخطابة) ، ولعل هذا التفسير هو الذي قال فيه ابن أبي أصبعية " كتاب في الخطابة كبير، عشرون مجلداً " (?) ؛ وذكر له القفطي أيضاً " صدر كتاب الخطابة " وكتاباً " في صناعة الكتابة " (?) ؛ أما في الشعر فإن ابن أبي أصبيعة لم يذكر له سوى " كلام له في الشعر والقوافي "، ولا ندري إن كان هذا الكتاب هو إحدى الرسالتين اللتين

طور بواسطة نورين ميديا © 2015