فما هو إلا أن أراها فجاءه ... فأبهت لا عرف لدي ولا نكر؟ الخ الأبيات. ثم لا يستطيع - أو لعله لا يرى - أن يدل على الفرق الواضح بين الشعرين في طبيعة الانفعال، وما يتصل به من عناصر شعرية. وأن المسالة ليست مطالبة الشاعر بالاعتقاد - اي بصدق الحادث من الزاوية التاريخية - وإنما بمقدار ما هنالك من الصدق في نقل التجربة، وإن كانت متخيلة، وإلا فما معنى قول قدامة في النسيب: " ومما اختم به القول أن المحسن من الشعراء فيه هو الذي يصف من أحوال ما يجده ما يعلم به كل ذي وجد حاضر أو داثر انه يجد أو قد وجد مثله " (?) ؟ - مرة أخرى يقف قدامة عند المشاركة الشعورية، ثم يتهرب من التفضيل، ليلجا إلى محض الأداء المستوي لمعنى من المعاني، إن النسيب من حيث وجوده قد يمثل مشكلة بالنسبة لقدامة، لأنه ليس كالمدح أو الهجاء أو الرثاء وليد قاعدة أخلاقية، ولكنه يحاول أن يتجاهل هذا الوضع ويجعل له صلة بالأخلاق فيقول في تعريفه: " إن النسيب ذكر الشاعر خلق النساء وأخلاقهم وتصرف أحوال الهوى به معهن " (?) ؛ ولكن وصف الخلقة ليس ذا صلة بالأخلاق، ووصف المواجد الذاتية (أحوال الهوى وتصرفها) ليس أيضاً من باب الأخلاق. كذلك فغن ذكر الشاعر " أخلاق " النساء لا يتصل بالفضائل الأربع ولا بما تركب عنها، ومن هنا صح أن نعد النسيب مشكلة فلسفية بالنسبة لقدامة - مشكلة محيزة يريدها ان تخضع للكيان الأخلاقي العام ويتحيل لها من كل وجه، فيرى أن الذي يميل النساء إلى الرجل " الشمائل الحلوة " من ضمن السمات الأخرى (كالمعاطف الظريفة والحركات اللطيفة والكلام المستعذب؟) وتحس ان قدامة مغلوب على أمره، فحيثما أراد مسحة أخلاقية للغزل وجد الصفات الأخرى اغلب وأقوى، ولعله لم يخف عليك الأساس الأخلاقي

طور بواسطة نورين ميديا © 2015