موقف كل منهما من التشبيه. فقد اشترط ابن طباطبا أن يقوم التشبيه على " الصدق " - لأنه المبدأ الكبير في نظرته النقدية. وما كنا ننتظر من قدامة وهو المؤمن بمبدأ الكذب في الشعر فيه أن يحدد التشبيه بقوله: " فاحسن التشبيه هو ما وقع بين الشيئين اشتراكهما في الصفات أكثر من انفرادهما فيها حتى يدنى بهما إلى حال الاتحاد " (?) ويورد على ذلك أمثلة مواقفة لهذه القاعدة كتشبيه صوت جرع اللبن بصوت المطر الواقع على خباء الادم، وتشبيه شخب العنز عند الحلب بصوت الكير إذا نفخ؛ وسر ذلك ان قدامة غنما يتسامح في الغو إذا كان في المعاني لا في الصور، وحين يأخذ التشبيه في الإفراط، فقد يتحول إلى استعارة، وهي - على أنها سر الشعر - يضيق بها قدامة ذرعاً، ولا يستطيع أن يتقلبها إلا إذا حملها محمل التشبيه، فقول امرئ القيس:

فقلت له لما تمطى بصلبه ... وأردف أعجازاً وناء بكلكل معناه أن هذا الليل في تطاوله " كالذي يتمطى بصلبه لا أن له صلباً " وهذا في حقيقته إنكار لطبيعة الاستعارة، وقيمة ما فيها من تشخيص، ولذلك يتخلص منها قدامة تخلص المستثقل البرم بأمرها حين يقول: " فما جرى هذا المجرى مما له مجاز كان أخف واسهل مما فحش ولم يعرف له مجاز، وكان منافراً للعادة بعيداً عما يستعمل الناس مثله " (?) .

طور بواسطة نورين ميديا © 2015