فقد يتم للبيت من الشعر صحة التقسيم، أو صحة المقابلات أو صحة التفسير، ثم لا تميزه إحدى هذه الخصائص عن مستوى الكلام العادي الذي نتطلب فيه أيضاً مثل هذه الفضائل دون تسمح فيها. ولهذا يمكن أن نقول أن الصفات الإيجابية التي وضعها قدامة للمعاني لا تميز الشعر بشيء، وبقي هذا الشعر بحاجة إلى استنباط خصائص أخرى، وإلى بناء " منطق شعري " غير المنطق العام الذي بناه قدامة. وليس من المعاياة ان نفترض بان شعراً قد يخلو من كل هذه الخصائص الإيجابية يظل مع ذلك في نظرنا شعراً جميلاً مؤثراً، أما العيوب المنطقية فغنها إن وجدت فيما نسميه شعراً جميلاً مؤثراً شانت صفحته، وجعلتنا ننفر منه مما خرج على حد المعقولية؛ وليس معنى ذلك أن " صحة التقسيم " مثلاً لا تكون سبباً من أسباب جمال الشعر، وإنما الذي أقوله هنا: أن صحة التقسيم حقيقة مفترضة ضرورة، لا ينكشف أثرها، إلا إذا كانت غاية في ذاتها، كان تكون العامل المشترك في المبنى الكلي أو أشبه ذلك، لنقل إذن إن الشعر يجب أن يخلو من العيوب التي يحد بعضها بكذا وكيت، فأما أن نحصر الخصائص الإيجابية فيه فذلك شيء ليس في طوق أحد على النحو الجزئي الذي أراده قدامة، ولعل هذا هو أكبر عيب في محاولته، وخلاصة هذا العيب انه أنه أراد ان يحكم الخصائص المنطقية في مجال لا منطقي، فلم يفرد الشعر عن غيره بشيء، وبهذا ورط البلاغيين العرب من بعده حين تصوروا أن صحة المقابلة والإيغال والتتميم وما أشبه قد تكون سمات لتمييز القول البليغ من غيره.
إحساس قدامة بان " منطق الشعر " لا يمكن أن يكون كلياً
ولست أظن أن قدامة كان غافلاً تماماً عن قصور هذه المحاولة، فغن إحساسه أحياناً بان الشعر لا ينضبط بالقاعد الصارمة موجود في كتابه. ها أنت تراه بعد ان يضع قاعدته الكبرى في المدح وهي جمع الفضائل الأربع أو ما يترتب منها، قد عاد يقول " وقد أومأ أبو السمط مروان بن أبي حفصة في مدحه شراحيل بن معن بن زائدة إيماء موجزاً ظريفاً أتى على كثير