(?) وهناك الصدق التاريخي، وذلك يتمثل عند " اقتصاص خبر أو حكاية كلام "، وهنا يجيز ابن طباطبا للشاعر إذا اضطر ان يزيد أو ينقص على شرط أن تكون " الزيادة والنقصان يسيرين غير مخدجين لما يستعان بهما وتكون الألفاظ المزيدة غير خارجة من جنس ما يقتضيه، بل تكون مؤيدة له وزائدة في رونقه وحسنه " (?) .

(4) ونوع رابع من الصدق قد ندعوه " الصدق الأخلاقي " وهو ما لا مدخل فيه للكذب بنسبة الكرم إلى البخيل او نسبة الجبن إلى الشجاع، وإنما هو نقل للحقيقة الأخلاقية على حالها، وهذا يتبين في المدح والهجاء كما يتبين في غيرهما من الفنون، وهو موقف يذكرنا بثناء عمر (رض) على زهير وانه كان يمدح الرجل بما فيه، ولكن من المدهش أن نجد سذاجة ابن طباطبا او مثاليته ترى في كل الشعر قبل عصر المحدثين ما رآه عمر في زهير: " ومع هذا فان من كان قبلنا في الجاهلية الجهلاء وفي صدر الإسلام من الشعراء كانوا يؤسسون أشعارهم في المعاني التي ركبوها على القصد للصدق فيها مديحاً وهجاء وافتخاراً ووصفاً وترغيباً وترهيباً إلا ما قد احتمل الكذب فيه في حكم الشعر من الإغراق في الوصف والإفراط في التشبيه وكان مجرى ما يوردونه مجرى القصص الحق والمخاطبات بالصدق ... " (?) . أما المحدثون فلم يعودوا يستطيعون هذا النوع من الصدق، ولذلك أصبح تقدير شعرهم إنما ينصرف إلى معانيهم المبتكرة وألفاظهم المنتظمة ونوادرهم المضحكة. والأناقة العامة التي تمازج أشعارهم " دون حقائق ما يشتمل عليه المديح والهجاء وسائر الفنون التي يصرفون القول فيها " (?) . ومثل

طور بواسطة نورين ميديا © 2015