تأثير الشعر - كنظمه - عميل عقلي خالص عن طريق جمال " الاعتدال "

ولما كان ينظم الشعر في رأي ابن طباطبا عملاً عقلياً خالصاً، كان تأثير الشعر عقلياً كذلك، لأنه مقصود بمخاطبة الفهم، ووسيلته إلى هذه المخاطبة هي " الجمال " أو الحسن، والسر في كل جمال الاعتدال كما أن علة القبح هي الاضطراب، ولذلك لا يتحقق جمال الشعر إلا بالاعتدال - أي الانسجام - القائم بين صحة الوزن وصحة المعنى وعذوبة اللفظ، فإذا تم له ذلك كان قبول الفهم له كاملاً، فإذا نقص من اعتداله شيء أنكر الفهم منه بقدر ذلك النقصان، والفهم هو القوة التي تجد في الشعر " لذة "، مثلما ان كل حاسة تلتذ بما يليها وتتقبل ما يتصل بها: " فالعين تالف المرأى الحسن وتقذى بالمرأى القبيح الكريه، والأنف يقبل المشم الطيب ويتأذى بالمنتن الخبيث، والفم يلتذ بالمذاق الحلو ويمج البشع المر؟ الخ " (?) ؛ ها هنا موقف لابد من ان يستوقفنا في تاريخ النقل العربي، وهو الإلحاح على فكرة المتعة المترتبة على الجمال في الشعر، وتعريف العلة الجمالية بأنها " الاعتدال " دون أي عامل آخر، حتى لقد نعد ابن طباطبا واحداً من النقاد الجماليين في هذا الموقف، ولكن سرعان ما تصبح هذه المتعة نفسها وسيلة أخلاقية لان الحالة اللذية التي يقع فيها المتلقي تتجاوز فادتها حد الاستمتاع بالجمال، إذ تصبح في نفاذها إلى " الفهم " كقوة السحر، ويكون اثر الشعر الجميل عندئذ أن يسل السخائم ويحلل العقد ويسخي الشحيح ويشجع الجبان (?) ، ومع ان الناقد يربط بين الغايتين اللذية والأخلاقية فانه اكثر جنوحاً إلى تأكيد المتعة الجمالية الخالصة، لأنها هي التي تتحقق في " الفهم " أولاً (?) .

طور بواسطة نورين ميديا © 2015