التي عهد عليها واظهر الصباغ ما صبغه على غير الذي عهد قبل، التبس الأمر في المصوغ وفي المصبوغ.. " (?) .
صورة العلاقة بين اللفظ والمعنى
وقد يقف النقد المعاصر موقف المخالفة الصريحة والمباينة التامة لرأي ابن طباطبا هذا، ولكنه لابد ان يكبر فيه - من هذه الناحية - شيئين: أولهما هذا التصور الذي لا يختل أبداً لصورة القصيدة في نفسه، وثانيهما هذا الإلحاح الشديد على نوع من الوحدة لا نجده كثيراً عند غيره من النقاد. وحين قلنا إنها وحدة لا تنبعث فيها حركة من نمو كنا نشير إلى هذا المجاز " المعدني " أو " الصباغي " الذي قد استولى على خياله، حتى اضعف لديه صورة مجاز آخر قائم على الحياة النابضة. وذلك هو تصوره للعلاقة بين المعنى واللفظ في القصيدة على نحو العلاقة بين الروح والجسد، وهو ينسب هذا الرأي لبعض الحكماء: " والكلام الذي لا معنى له كالجسد الذي لا روح فيه كما قال بعض الحكماء: الكلام جسد وروح، فجسده النطق وروحه معناه " (?) وذلك تصور يجعل الصلة بين اللفظ والمعنى عند ابن طباطبا أوضح مما رسمه ابن قتيبة، على أنه ربما لم يقتصر في العلاقة بينهما على الوجوه الأربعة التي عدها القتبي، لأنه لا يريد ان يلتزم بقسمة منطقية. فهناك أشعار مستوفاة المعاني سلسلة الألفاظ، وأشعار غثة الألفاظ باردة المعنى، وأشعار حسنة الألفاظ واهية تحصيلاً ومعنى، وأشعار صحيحة المعنى رثة الصياغة، وأشعار بارعة المعنى قد أبرزت في أحسن معرض وأبهى كسوة وارق لفظ، وأشعار مستكرهة الألفاظ قلقة القوافي رديئة النسج (دون إشارة ما تتضمنه من المعاني) ، مما يشير إلى أن ابن طباطبا يصدر في حديثه عن مستويات مختلفة، وعن تذوق خالص لا علاقة له بالتقسيم المنطقي.