" لما فيه من الألفاظ الغريبة واللغات المختلفة والكلام الوحشي وأسماء الشجر والنبات والمواضع والمياه " (?) فأما الثقافة التي تستمد من الدفاتر والصحف فإنها توقع أهلها في التصحيف والتحريف.

وقد يسأل الدارس الحديث: إذا كان أبن قتيبة مهتماً بالشاعر كل هذا الاهتمام، فأين حديثه عن الخيال؟ وهذا سؤال لا يعرض للقدماء، لأن الحديث عن " الطبع " عندهم يتضمن الجواب عليه. فالطبع يتضمن - فيما يتضمنه - تلك القوة التخيلية التي تستثار بالحوافز أو بالطواف في " الرباع المخلية والرياض المعشبة " أو بالوقوف عند الماء الجاري والمكان الخضر الخالي، وقوة الخيال هي قوة " الغريزة " نفسها، وهي قوة متفاوتة بمقدار اختلاف المؤثرات فيها، وهي بحاجة إلى دربة عن طريق الثقافة.

ويورد أبن قتيبة ملاحظ جزئية، فيعود للاستثناء على قاعدة (جودة اللفظ وصحة المعنى) فيقول إن بعض الشعر يروى لخصائص أخرى كالإصابة في التصوير أو جمال النغمة أو طرافة المعنى المستغرب أو لأسباب خارجية أخرى كأن يكون صاحبه مقلاً أو عظيماً في الموقع الاجتماعي، وهذه أشياء لا تحدد الشعر وإنما تحدد أسباب الرواية أو الاستحسان لبعض ضروبه. ثم يتحدث أبن قتيبة عن عيوب الإعراب، وعن بعض الضرورات التي يرتكبها الشعراء، ولكنه ينصح الشاعر بأن لا يعتمد وزناً مضطرباً ويختم مقدمته بقوله " أسير الشعر والكلام المطمع.. الذي يطمع في مثله من سمعه وهو مكان النجم من يد المتناول " (?) .

طور بواسطة نورين ميديا © 2015