الحالات النفسية وعلاقتها بالشعر

ولما وقع أبن قتيبة في نطاق الحديث عن " الطبع " بمعنى " المزاج "، كان لابد له من أن يلتفت إلى الحالات النفسية وعلاقتها بالشعر، وقد تناولها من ثلاثة جوانب:

(أ) من جانب الحوافز النفسية الدافعة لقول الشعر، كالطمع والشوق والطرب والغضب، وما يثير بعض هذه الحوافز كالشراب، والمناظر الطبيعية الجميلة.

(ب) من جانب العلاقة بين الشاعر والزمن، لأن بعض الأوقات ذو تأثير خاص في المزاج الشعري، كأول الليل قبل تفشي الكرى وصدر النهار قبل الغداء.

ولهذين الجانبين أثر في التفاوت بين الشاعر الواحد، فبعض الحالات النفسية والجسدية كالغم وسوء الغذاء تمنع من قول الشعر، واختيار وقت من غير الأوقات المشار إليها لا يصلح كذلك، ولكن الشاعر قد يضطر إلى التغاضي عن الحالة الصالحة والوقت الصالح فيكون ما ينظمه حينئذ مختلفاً متفاوتاً، وهنا يعود بنا التذكر إلى أن الأصمعي عندما علل التفاوت في شعر حسان نسب ذلك إلى الموضوع، ولما عرض له أبن سلام نسب ذلك إلى اختلاف القائلين (أي الانتحال) ، أما أبن قتيبة فإنه ذهب إلى التعليل النفسي في ذلك، ولعله كان في هذا أدق فهماً للطبيعة الإنسانية من صاحبيه، فالشاعر الذي يقول بحافز الرجاء والوفاء، يعتمد التفاوت في شعره على تفاوت قوة الحافزين لديه: " وهذه عندي قصة الكميت في مدحه بني أمية وآل أبي طالب فإنه كان يتشيع وينحرف عن بني أمية بالرأي والهوى، وشعره في بني أمية أجود منه في الطالبيين، ولا أرى علة ذلك إلا قوة أسباب الطمع وإيثار النفس لعاجل الدنيا على آجل الآخرة " (?) .

طور بواسطة نورين ميديا © 2015