فيه الضرورات وما فيه حذف للضروري وإثبات لما يمكن الاستغناء عنه، وكيف يكون في هذا الجيد المحكم، وهو مخل بابسط مقتضيات البلاغة؟ ويذكر أبن قتيبة سمة أخرى للتكلف في الشعر - سوى رداءة الصنعة - وتلك السمة " أن ترى البيت مقروناً بغير جاره ومضموماً إلى غير لفقه " وهذا مقياس هام لأنه أول الطريق إلى الوحدة الكلية في القصيدة عامة، وفقدان " القران " بين الأبيات ليس من صفات شعر المنقحين، ومن ثم يتضح لنا تماماً أن لفظة المتكلف إذا اقترنت بالشاعر عنت شيئاً متميزاً عن معناها حين يوصف بها نوع من الشعر، ولذلك قال أبن قتيبة في وصف أبيات للخليل " وهذا الشعر بين التكلف رديء الصنعة ".

وتقابل لفظة " الطبع " عند أبن قتيبة ما سماه الجاحظ " الغريزة "، وهذه الثانية ترد عند أبن قتيبة أيضاً إذ يقول في تعليله عسر قول الشعر: إنه قد ينشأ، " من عارض يعترض على الغريزة " أي يؤثر في " الطبع " فالطبع كلمة تتعدد دلالتها فهي قد تعني قوة الشاعرية أو الطاقة الشعرية وذلك في مثل قوله: " والشعراء أيضاً في الطبع مختلفون، منهم من يسهل عليه المديح ويعسر عليه الهجاء ومنهم من يتيسر له المراثي ويتعذر عليه الغزل " (?) ، وقد تعني أيضاً " المزاج " حين يتحدث عن تعسر القول على الشاعر في وقت دون وقت وفي مكان دون مكان، ثم هي تختلف اختلافاً دقيقاً عنها عندما تصبح بصيغة المفعول " مطبوع " - إلا أن نتخذ لفظة " مطبوع " لتعني من كان مزاجه يسمح للنظم في كل حين، وهذا شيء ينكره أبن قتيبة نفسه.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015