أما في الأندلس، فقد انشغل واليها بالتهيؤ لإخضاع المتمردين في سرقسطة، فأمر فى عام 137 هـ/754 - 755 م باستدعاء الجند من الكور، وأرسل فى طلب كل من أبي عثمان وعبد الله بن خالد لحث موالي بني أمية على الالتحاق بالحملة المتوجهة لقتال المتمردين، ولم يكن زعيماً الموالي يرغبان بمساعدة يوسف الفهري، فأخبراه بعدم إمكانية جماعتهم للمساهمة في الحملة بسبب المجاعة المستمرة في البلاد، ولأن معظم من كان لديه القدرة على المساهمة، سبق أن شارك في حملة الانقاذ التي توجهت لنجدة الصميل في سرقسطة، وهم منهكون بسبب تلك الرحلة الشتوية الشاقة. وقد قدم لهما يوسف مبلغ ألف دينار لتوزيعها على أتباعهم، لكنهما رفضا أخذ المبلغ نظراً لقلته بالنسبة إلى خمسمئة رجل من الموالي. وبعد أن غادرا الوالي، فكرا في أمر المال وإمكانية استخدامه في تسهيل قضية عبد الرحمن بن معاوية، فرجعا وأخذا الألف دينار. ثم وزعا قسماً من هذا المال على أتباعهما، دون مطالبتهم بالالتحاق بجيش يوسف، واحتفظا بالبقية لوقت الحاجة. وفي ذي الحجة 137 هـ/نيسان- أيار 755 م عسكر يوسف الفهري في (مخاضة الفتح) بالقرب من جيان لاستكمال التجميع النهائي لجيشه، وتوزيع الأعطيات على الجنود. وعندما سأل عن الموالي، أجابه أبو عثمان بإمهالهم حتى يبلغ الأمير طليطلة ثم يلحقونه بها، وذلك بعد أن يحصدوا شيئاً من شعيرهم، لأن سنة 137 هـ/754 - 755 م كانت سنة رفاء. فصدقه يوسف ولم يتبادر إلى ذهنه أنه يخدعه، وسمح له بالرجوع إلى الموالي وحثهم على الإسراع والتهيؤ، وغادر هو إلى طليطلة. ولكن أبا عثمان وعبد الله بن خالد لم يغادرا. بل بقيا لمقابلة الصميل، الذي كان ما يزال معسكراً في المنطقة. وقد طلب زعيما الموالي مقابلة الصميل على انفراد، وذكراه بأمر عبد الرحمن بن معاوية. فأجابهما الصميل: إنه لم يغفل ذلك بل فكر فيه ملياً، وكتم أمره ولم يشاور فيه قريباً ولا بعيداً، وأعلمهما أنه يرى بأن عبد الرحمن حقيق بنصره، ومستحق لهذا الأمر، وسألهما أن يكتبا له ويدعوانه للعبور إلى الأندلس. وأضاف بأن يوسف لن يستطيع التدخل، وإنه، أي الصميل، سوف يشير عليه بأن يزوج إحدى بناته من عبد الرحمن، وبهذا يصبح الأخير واحداً منهم، فإن فعل يوسف ذلك استحق الشكر والتقدير من الجميع، وإن كره، هان عليهم إقناعه بالسيف. وقد فرح الزعيمان لسماع مثل هذا الجواب الشافي، وخرجا من عند الصميل، وهما يعتقدان بأنهما قد وفقا في خطتهما (?).