ظاهرة الاستعراب بالأندلس، أي إقبال الإسبان على تعلم اللغة العربية وآدابها، وتقليد العرب في عاداتهم الإجتماعية. وإزاء هذا الأمر -الذي كان للتيار الفكري العراقي تأثير واضح في كل هذه المتغيرات- كان لبعض رجال الدين الإسبان المتعصبين موقف معادٍ لهذا التيار. وإذا صحت ظاهرة الاستشهاد (الانتحار الديني) في قرطبة 235 - 244 هـ/ 850 - 859 م، ومحورها الطعن بالإسلام ومبادئه وشتم رسول الله صلى الله عليه وسلم علناً في المساجد والساحات العامة أولاً، ومحاولة إعادة بعض من أسلم حديثاً من الإسبان إلى دينه القديم ثانياً، والتي ذكرتها المراجع الأوروبية (?)، فنحن نميل إلى أن هذه الحملة التي قادها الغُلاة تعود إلى ظاهرة التطور الحضاري الأندلسي في هذا العصر بسبب التأثيرات الحضارية المشرقية (?).
ويعد منهج تفسير القرآن بالمأثور، من أبرز المناهج التي اشتهرت في الأندلس، وتزعم هذا المنهج فيها العالم الفقيه بقي بن مخلد (توفي عام 276 هـ) في أواخر عصر الإزدهار، وقد ألف كتاباً في تفسير القرآن بلغ فيه درجة من الجودة والإتقان (?). له رحلة مشرقية، وبعد عودته إلى الأندلس لاقى الأمرين من بعض الفقهاء ولم ينقذه من هذا الوضع الحرج إلا المناظرة المشهورة لأعدائه الفقهاء (?). واستمرت شهرته في العصور التالية. وعلى الرغم من سوء الأحوال السياسية الداخلية للأندلس التي عَجَّت بالفتن والمنازعات في عصر الحروب الأهلية (273 - 300 هـ) -وهو العصر الأخير من فترة عصر الإمارة-، إلا أن هذه الفترة شهدت تقدماً ملحوظاً في الأدب الأندلسي، وبخاصة في مجال الشعر، الذي ظهرت فيه اتجاهات مختلفة، فهناك الاتجاه القومي العربي، إذ وقف بعض الشعراء العرب يمتدحون العروبة ويمدحون العرب ويفاخرون بهم ضد المولدين، كما وقف بعض الشعراء المولدين موقف المعادي للعرب ودعوا إلى الخلاص منهم، وقد تكون هذه الحركة متأثرة بحركة الشعوبية في المشرق، وهذا هو الإتجاه الثاني قال شاعر العرب:
منازلنا معمورة لا بلاقع ... وقلعتنا حصن من الضيم مانع