(حمدين بن أبا) الذي ينسب إليه يسون حمدين (شراب) وهو يتألف من مائة صنف من الأعشاب، فقد كان أستاذه طبيباً عراقياً من حران هاجر إلى الأندلس في فترة الإزدهار، وهذا الطبيب المشرقي هو الذي أدخل للأندلس معجوناً لأوجاع الجوف، كان يبيع السقية منه بخمسين ديناراً، وكان حمدين أحد خمسة أطباء أخذوا العلم منه (?).

وأدت هذه العوامل إلى انتشار بعض العلوم التي تعتبر عراقية النشأة في الأندلس، وقد شهدت فترة الإزدهار من عصر الإمارة دخول النتاج العربي العراقي من علوم اللغة والنحو، فنرى عبد الرحمن بن موسى الهواري يدرك الأصمعي في العراق ويأخذ منه علم النحو مباشرة، ولكنه لم يكتف بذلك بل سلك مسلك علماء البصرة بأن داخل الأعراب وتردد في بواديها وحفظ الكثير (?).

وكذلك محمد بن عبد السلام الخشني الذي قضى في العراق خمسة وعشرين عاماً، فأخذ علم اللغة والنحو والشعر الجاهلي من شيوخ يروونها عن طبقة المشاهير في هذا الباب كالأصمعي وأبي عبيدة معمر بن المثنى وسيبويه، ومن أشهر شيوخه سهل بن محمد السجستاني والعباس بن الفرج الرياشي (?). كذلك قام جودي بن عثمان النحوي (توفي عام 198 هـ) بلقاء الكسائي والفراء وأبي جعفر الرؤاسي أثناء رحلته للمشرق، وهو أول من أدخل للأندلس كتاب الكسائي (?).

ساهم التأثير الحضاري الشرقي في تطوير حضارة العرب في الأندلس، ابتداءً من فترة الازدهار في عصر الإمارة، وما تلاها من عصور، إلا أن هذا التأثير لقي في البداية معارضة شديدة من بعض العلماء ورجال البلاط ضد علماء الأندلس الذين تأثروا بالحضارة العراقية أمثال العالم والأديب المعروف عباس بن فرناس الذي لقي الأمرين من جراء ذلك، ولم يخفف عن هؤلاء العذاب، إلا رعاية الأمير عبد الرحمن الأوسط لهم (?). كما أن التطور الحضاري في الأندلس خلال هذه الفترة زاد وكبر من حجم

طور بواسطة نورين ميديا © 2015