إلى الفت في عضد كثير من المتمردين وزلزلة معنويات أنصارهم. فقد كان ابن حفصون بمثابة الروح التي تنفث في جسد العصاة الآخرين الذين كانوا يرتبطون به بشكل أو بآخر بقصد إضعاف السلطة المركزية والعبث في أراضي الدولة.
لذا قاد الأمير قواته في شوال سنة 301 هـ مخترقاً أكثر الأقاليم حيوية واستراتيجية بالنسبة للمتمرد ابن حفصون ملقناً قواته أقسى الضربات، وكانت المعركة الحاسمة قد دارت قرب قلعة طرش حيث تمكنت قوات الدولة من تدمير القوة الرئيسة للعصاة وأجبرتهم على الارتداد ناحية الغرب، وبذا دخلت الجزيرة الخضراء وأحوازها تحت سيطرة الدولة المركزية، وتم تطهير كور شذونة ومورور وقرمونة من العصاة (?)، واستمرت العمليات العسكرية وفي اتجاهات مختلفة تلاحق العصاة وفلولهم وتكيل لهم الضربات المتواصلة المركزة حتى أيقن زعماء التمرد أن الدولة عازمة لا محالة على توحيد البلاد، والقبض على مقاليد الأمور بما يجب أن يكون لها من الحرمة والاحترام، وهم عاجزون عن الرد والاحتفاظ بزعامتهم مع إدراكهم للملل الذي بات يطغى على أنصارهم الذين أيقنوا ببطلان دعوى زعماء التمرد (?).
إن الخلل الذي أصاب صفوف المتمردين قيادة وقواعد جاء نتيجة من نتائج سياسة الدولة في الضرب بشدة على الخارجين ومن والاهم، والعفو والتكريم لمن عاد إلى صف السلطة المركزية وعمل ضمن قواتها لتحقيق وحدة البلاد الوطنية.
وكان ابن حفصون قد شعر قبل غيره بأبعاد هذه السياسة التي باتت تهدد مركزه بوصفه زعيماً للمتمردين على اختلاف أهدافهم فأعلن الاستسلام للدولة بعد ثلاثين سنة من التمرد والعصيان (?). مقابل كتاب عهد له وللحصون التي كانت تحت سيطرته وتم ذلك في 303 هـ " وانتهت الحصون التي دخلت في أمان عمر بن حفصون على ما وقع من تسميتها في كتاب العهد إلى مائة واثنين وستين حصناً " (?). وقد ظل ابن حفصون ملتزماً ببنود هذا العهد حتى وفاته سنة 305 هـ (?).