3 - العلاقات الحضارية:
لقد كان تداخل المسلمين والمسيحيين مستمراً في إسبانيا في عصر الإمارة والعصور الإسلامية الأخرى اللاحقة، سواء كان ذلك داخل الأندلس ذاتها أم في خارجها مع الإمارات الشمالية. ولم يقتصر هذا التداخل والاحتكاك على فترات السلم فقط، بل شمل فترات الحروب أيضاً. فعندما يتصل شعبان أحدهما بالآخر، فإن الشعب ذا الحضارة الأرقى هو الذي يؤثر على الآخر. وهكذا كانت الحالة بالنسبة للعرب في إسبانيا، فلقد انتقلت حضارتهم إلى الإسبان في الأندلس وفي الإمارات الشمالية بطرق شتى؛ منها الزيارات المتبادلة التي كانت تتم بين الطرفين بقصد الاطلاع أو المتاجرة، ومنها بواسطة العبيد الذين كانوا يهربون من الشمال لضمان حرياتهم، وعندما يعودون إلى بلادهم كانوا يجلبون معهم كثيراً من العادات ومظاهر الحضارة، بل إن بعضهم كان يعود وهو يحمل أسماء عربية أيضاً (?).
وكان لوقوع المناطق العربية الإسلامية بيد الإمارات الإسبانية أثر كبير في الاتصال والاحتكاك بين الطرفين. فعندما كانت تقع إحدى هذه المناطق بأيدي الإسبان لم يكن ذلك يعني توقف وجود المسلمين فيها، بل على العكس كان الكثير منهم يبقون في هذه المناطق محتفظين بعاداتهم وتقاليدهم، ويمارسون طقوسهم الدينية. ومن هؤلاء العديد من أصحاب الحرف والمثقفين، الذين لعبوا دوراً هاماً في نقل العلوم والفلسفة الإسلامية إلى الإسبان في الشمال، ومنها إلى أوروبا. وكان ملوك وأمراء هذه الإمارات الإسبانية يضطرون إلى الاحتفاظ بهؤلاء المسلمين بسبب أهميتهم الاقتصادية للبلاد. وهؤلاء المسلمون الذين استمروا في البقاء في أماكنهم بعد سيطرة الإسبان عليها عرفوا باسم المدجنين Mudejares. وكان موقفهم شبيه بموقف أهل الذمة تحت ظل الحكم العربي الإسلامي. وكانوا، كما أسلفنا، أحراراً في اتباع عقيدتهم الإسلامية، وممارسة حرفهم وتجارتهم، وعليهم مقابل ذلك دفع ضريبة الرأس أو الجزية. لقد كان وجود هؤلاء المدجنين ظاهرة تأريخية مهمة جداً في حياة إسبانيا، أدت إلى خلق بنية اقتصادية، وحضارة مادية وعلمية مشتركة بين المسيحيين والمسلمين، بلغت أوجها في العهود التي أعقبت عهد الإمارة، وبشكل خاص في القرنين الثالث عشر والرابع عشر للميلاد/السابع والثامن للهجرة (?). ومن الجدير بالذكر أن المستعربين، وهم نصارى الإسبان، الذين