وقد يكون مرد التقسيم في الأساس -على رأي بعض العلماء- إلى انقسام العرب إلى طبقتين رئيسيتين من حيث التماس المعاش: طبقة البدو من الأعرب "أهل الوبر" من جهة، وطبقة العرب المستقرين "أهل المدر" من جهة ثانية. لا سيما وأن النسابين قد حشروا غالبية قبائل العرب المستقرة من سكان الحواضر في النسب القحطاني، وغالبية القبائل البدوية في النسب العدناني. وبديهي أن مناطق الحضر أغلبها في الجنوب الذي يتمتع بشروط الخصب والزراعة، ومناطق البدو وهي في الشمال القاحل، فالتقسيم على هذا النحو تتحكم فيه على ما يظهر الاعتبارات الجغرافية.
أما الشك الذي يكتنف الجدين الكبيرين فهو نابع من كونهما لم يعرفا في الجاهلية على نحو واضح، والقرآن الكريم لم يذكر أيًّا منهما، كما أن اسمهما لم يذكر في الشعر الجاهلي إلا نادرًا، بينما ذكر اسم معد بن عدنان أكثر من اسم أبيه سواء في الشعر الجاهلي أو فيما أتانا من كتابات المؤرخين الكلاسيكيين الذين لم يذكروا اسم عدنان بتاتًا. وهذا ما دعا العلماء إلى الشك في أمر عدنان إذ قالوا: "لو كان عدنان جدا كبيرا في الجاهلية -كما صوره أصحاب الأخبار والأنساب- لوجب عقلًا أن يتردد اسمه بكثرة في الكتابات الجاهلية أو في المؤلفات الكلاسيكية أو في الشعر الجاهلي"1. وقد خامر العلماء الشك في أمر نزار حفيد عدنان أيضا بسبب أن اسمه لم يرد في الشعر الجاهلي المتقدم، وأن وروده كان متأخرا جدا بالنسبة لورود اسم أبيه "معد"، وأن بعض الكتبة البيزنطيين قد ذكروا اسم "معد" ولم يذكروا اسم "نزار". ويعزز الباحثون شكوكهم هذه بأن العرب الشماليين قد عمدوا في الغالب على ربط نسبهم بمعد ولم يعمدوا إلى ربطه بنزار إلا نادرًا.
على أن الشك في أمر هذه الأنساب لم يقتصر على المحدثين وحسب، بل خامر القدماء أيضا, فقد أنكر الرسول -صلى الله عليه وسلم- ما ذكر أمامه من إرجاع نسبه إلى عدنان قائلًا: "من ها هنا كذب النسابون". كما أنكر الإمام مالك من الرجل يرفع نسبه إلى آدم أو إلى إسماعيل قائلًا: "من يخبره ذلك؟ "2. ويعلق الواقدي على اختلاف النسابين حول سلسلة الأجداد التي تصل نسب عدنان بإسماعيل بقوله: "إنها لم تحفظ، إنما أخذت من أهل الكتاب