قحطان وعدنان. وقد أوضح العلماء أن هذا التقسيم يبدو ضعيفًا لأسباب عديدة منها:

كون القرآن الكريم لم يشر بأية إشارة إلى هذين الجدين، لا بل خاطب العرب المسلمين بكونهم من نسل إسماعيل بن إبراهيم. ومنها أن الحروب التي وقعت بين علي ومعاوية ليس فيها أية إشارة إلى قحطانية وعدنانية. وكذلك بالنسبة لما فعله الخليفة الراشدي عمر بن الخطاب عندما نظم جداول العطاء على أساس القبائل ومن ألحق بها، دون أن يكون ثمة إشارة ما إلى هذا التقسيم. والواقع أنه لم يكن لمفهوم "يمن" و"يمنية" مدلوله الذي توسع في العصر الأموي، وهذا ما يقلل من أهمية دعوى النسابين بانقسام العرب منذ القديم إلى أصلين: قحطاني وعدناني.

ثم إن ثمة شكًّا وغموضًا يكتنف كلًّا من قحطان وعدنان، وحتى نزارًا حفيد عدنان؛ فالعلماء يقولون: إن أهل الكتاب من العبرانيين هم الأصل في ذيوع هذا التقسيم بين العرب، لا سيما وأن الأنساب قد دونت بعد أواخر القرن الثاني للهجرة، بعد أن كانت الروايات الإسرائيلية قد شاعت بين المسلمين، سِيَّمَا بين رواة أهل اليمن. واليمنيون كان بينهم وبين الشماليين منازعات وعداوات تعود إلى ما قبل الإسلام -تلك المنازعات التي سميت باسم "منازعات يثرب - مكة"، وكانت بين الأوس والخزرج من جهة وقريش من جهة أخرى- واستمرت بعد الإسلام. لكن ظهور الإسلام قد سجل رجحانًا لكفة الشماليين على الجنوبيين، فأراد هؤلاء أن يعيدوا شيئًا من التوازن في المفاضلة، وحاولوا أن يضفوا على أصلهم رواءً زاهيًا، فاستغلوا ما أشيع من قصص وروايات إسرائيلية؛ ليجعلوا من اليمنيين نسلًا لقحطان العربي القح أصلًا، وكونهم أصل العرب، بينما جعلوا الشماليين في المنزلة الثانية بل الثالثة في سلم طبقات العرب، بوصفهم دخلاءَ على العروبة "مستعربون"1. والعالم "نولدكه" هو أول من شك من المستشرقين في هذا النسب العام وأول من نبه إلى أثر اليمنيين في وضعه. ويشير الدكتور جواد علي إلى أن الإسرائيليين لم يكونوا مخلصين في إعطاء هذه التقسيمات للأخباريين المسلمين؛ فوقع هؤلاء في أخطاء كثيرة حتى جاءت رواياتهم مضطربة2.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015