الأعراب، البادية، سكان البادية. وقد استعملوها في نصوصهم الأولى التي تعود إلى القرن الثامن قبل ميلاد المسيح وما قبله للدلالة على هذه المعاني، لا بكونها دليلًا على قومية أصحابها الذين ذكرتهم. ففي سفر أشعيا نقرأ: "ولا يخيم هناك أعرابي" وكذلك "وحي من جهات بلاد العرب, في الوعر، في بلاد العرب تبيتين يا قوافل الدادانيين". فالمقصود من الآية الأخيرة "العزلة والوحشة والبداوة". والعبرانيون قد أطلقوا في الواقع لفظة "عرابة" -وهي تعني في الأصل الجفاف وحافة الصحراء، وكلها ذات علاقة بالبداوة- مسبوقة بأل التعريف "ها" "Ha - صلى الله عليه وسلمrabah" للدلالة على سكان من وادي "العربة" الممتد بين البحر الميت وخليج العقبة، وكانت تقيم فيه قبائل بدوية شملتها تسمية "عرب"1.

كما أننا نلاحظ في النصوص القديمة عند العبرانيين أن مدلول كلمة "عرب" قد تطور عندهم مع الزمن فأصبحوا -حوالي القرن الثالث قبل الميلاد- يطلقونها على سكان شبه الجزيرة العربية كافةً، بدوهم وحضرهم على السواء.

والتطور الذي حدث بالنسبة لموقف العبرانيين نلمسه نفسه عند العرب القدماء، عرب ما قبل الإسلام، إذ لم يكونوا يطلقون هذه التسمية على أنفسهم للدلالة على قوميتهم -كمفهوم مجرد نحن اليوم نتبناه ونعتنقه- وليس لنا أن نتوخى ذلك عند أجدادنا الأوائل؛ لأنهم كانوا غارقين في منازعاتهم القبلية، ولم يفطنوا إلى الجامعة القومية التي تستطيع جمعهم في أمة واحدة، لأن مقومات هذه القومية لم تكن قد استتمت جميع عناصرها. فإذا وحدتهم اللغة ووحدتهم الأرض المشتركة، فإنهم قد افتقروا إلى الحوافز الفكرية والمصالح المشتركة، لا سيما وأن مصالح مختلف القبائل كانت تدعو -في أغلب الأحيان- إلى النزاع لا إلى التجمع، والمفهوم القومي في الواقع مدرك حديث يغذيه الوعي الاجتماعي والسمو الفكري.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015