وإذا تتبعنا النقوش الكتابية في الجنوب العربي نشاهد أنهم لم يستعملوا التسمية، في بادئ أمرهم، للدلالة على البدو والحضر منهم، أي: للدلالة على قوميتهم، بل استعملوها بمعنى أعراب كقولهم: "أعرب ملك حضرموت، أعرب ملك سبأ"، أي: أعراب ملك حضرموت، أعراب ملك سبأ. أما أهل الحضر منهم فكانوا يعرفون بنسبتهم إلى مدنهم أو قبائلهم التي كانت في الغالب مستقرة تعيش على التجارة والزراعة، كقولنا اليوم "سوريون، عراقيون". وفي القرآن الكريم من الآيات ما يؤيد ذلك: {الأَعْرَابُ أَشَدُّ كُفْرًا وَنِفَاقا} ، {وَمِنَ الأَعْرَابِ مَنْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِر} 1.
أما إذا تتبعنا النصوص العربية الشمالية فإننا نجد أن أقدمها نص "نقش النمارة" الذي ينسب إلى امرئ القيس بن عمرو، وهو يعود إلى القرن الرابع الميلادي، ويحمل العبارة التالية: "امرؤ القيس بن عمرو ملك العرب كلهم الذي حاز التاج، وملك الأسدين ونزارًا وملوكهم وهزم مذحجًا ... إلخ". وبالرغم مما لهذا النص من أهمية عظيمة لذكره العرب تعميما وشمولا، فإن بعض الباحثين يشكون في أن التسمية فيه قد استعملت للدلالة على العرب عمومًا، بل يعتقدون أنه قد قصد بها الأعراب.
خلاصة القول: لا يُستطاع الجزم في تعيين الزمن الذي استعمل فيه العرب أنفسهم -بدوهم وحضرهم- هذه الكلمة علمًا لهم يدل على قوميتهم المتميزة عن قومية غيرهم؛ لعدم وجود ما يثبت ذلك من النصوص الموثوق بصحتها وبصحة مدلولها، كما لا يمكن الجزم، على وجه الدقة والتحقيق، من أين جاءت كلمة "عرب"، وإن كان اشتقاقها من كلمة "أعراب" "بدو" أقرب إلى المعقول، بدليل ما أوردت من خلاصة أبحاث المستشرقين.
على أن القرآن الكريم هو النص الوحيد الذي أعطى هذه التسمية مدلولها القومي الواضح، وهو نص لا يرقى إليه الشك؛ ولذلك اعتقد بعضهم ومنهم المستشرق "موللر" أن الرسول -صلى الله عليه وسلم- هو أول من خصَّص الكلمة، وجعلها علمًا لقومية سكان شبه الجزيرة العربية، بدليل ما ورد في القرآن الكريم من آيات؛ عشر منها جاءت فيها لفظة "عربية" نعتًا للغة القرآن الكريم بأنها لغة واضحة وبينة2، ووردت مرة واحدة نعتًا