لكن الذي قرره الباحثون أن كلمة "عُرْبي" التي وردت في هذا النص لم تكن تعني عند الآشوريين ما تعنيه اليوم عندنا، لا بل إن المقصود منها مشيخة في البادية المتاخمة للآشوريين يحكمها شيخ عربي يسمى "جنديبو"، لا تعريف شامل للعرب1.
وقبل المضي في البحث لا بد من الإشارة إلى بعض الاجتهادات التي تعتمد على تفاسير يمت بعضها إلى البحوث اللغوية "الفيلولوجية" بصلة, ومنها قول للدكتور عمر فروخ أن من الأمم ما كانت تسمى بما يطلق عليها جيرانها من أسماء، وأن سكان بلاد الرافدين "الآشوريون والبابليون" قد أطلقوا على أقاربهم الساميين وجيرانهم القاطنين في جهة الغرب والجنوب الغربي منهم اسم "أريبي". وبعد تفسيرات لغوية معقدة، ينتهي الدكتور فروخ إلى كون الكلمة تتناول معانيَ تتصل بجهة "الغرب" "مقابل الشرق"، وأن كلمة غرب قد انتقلت من بلاد الرافدين وخضعت في طريق هجرتها إلى تغير في حرف "غ" فانقلب إلى "ع" -كما كان من شأن العرب أحيانا في قلب بعض الحروف في الكلمات- فتطورت إلى ألفاظ مثل عُرْبي، أرْبي2.
وغني عن القول أن مثل هذه الاجتهادات يصعب الأخذ بها لعدم كفاية الأدلة التاريخية التي استندت إليها. ولا بد لي من العودة إذن إلى تتبع البحوث التي تدور حول النصوص التاريخية التي خلفتها لنا مختلف الشعوب ذات الصلة بالعرب. فقد ورد في كتابة بابلية قديمة وصلت إلينا جملة "ماتو آرابي Matu - صلى الله عليه وسلم - Ra - رضي الله عنهi" بمعنى: أرض العرب. وكذلك ورد ذكر للعرب وبلادهم بما لا يتعدى هذا اللفظ في كتابات أتتنا من ملوك فارس مثل "أربايه صلى الله عليه وسلمrpaya أو صلى الله عليه وسلمrabaya" وتعني: بلاد العرب. وقد دلت الدراسات التي دارت حول هذه النصوص، ولا سيما البابلية منها، على أن المقصود من الكلمات الواردة فيها -بما يتعلق بالعرب- أراضٍ تشمل البوادي الفاصلة بين العراق وبلاد الشام وبين مصر، بما في ذلك شبه جزيرة سيناء. فهل لكلمة "عرب" صلة بمفهوم البادية؟
إن مثل هذه الفرضية أقرب إلى الفهم, ندرك ذلك إذا تتبعنا مدلول الكلمة في شتى النصوص التي خلفها العبرانيون. ولفظة صلى الله عليه وسلمrab في العبرانية تعني: البداوة، البدو،