اللذين بلغاهما عند ظهور الإسلام، وكي يتجلى رونق اللغة العربية بأجمل وأروع ما يمكن أن يتجلى به في القرآن الكريم، لا بد أن يكون قد مضى على تدرجهما في الرقي أضعاف أضعاف هذه المدة.
والعصر الجاهلي بما اتصف به من تفتح الخصائص القومية، ذلك التفتح الذي يتجلى في تكامل اللغة العربية، أحرى بأن نعتبره عصرًا من العصور المرموقة للعروبة. وليس في هذه النظرة أي "تناقض، ولا هي تعليل لتعصب العرب لجنسهم" كما يزعم المستشرق الفرنسي كلود كاهن1. وبالإضافة إلى ذلك، وكما يقول كلود كاهن، لا بد لنا من الوقوف على التقاليد الجاهلية كي نفهم النصوص الإسلامية المقدسة، ولندرك إدراكًا كاملًا التشريع الإسلامي سواء من حيث نقضه لتلك التقاليد، أو إقراره لبعضها.
ومن التراث الأدبي الجاهلي كان الشعر يؤلف الكثرة المطلقة، فأكثر ما بلغنا منهم الشعر وأقله النثر2. وكان للشعر والشعراء مكانة عظيمة في المجتمع الجاهلي، وبوسع الشاعر أن يرفع من شأن الذليل والوضيع إذا مدحه، أو أن يذل الرفيع والعزيز إذا هجاه3. وكان لظهور الشاعر في المجتمع الجاهلي أهمية عظيمة, إذ تقام الأفراح في القبيلة وتجري الاحتفالات وتنحر الذبائح، وتأتي الوفود لتهنئ القبيلة التي نبغ فيها الشاعر. والشاعر يدافع عن قبيلته بشعره كما يدافع الفارس عنها بسيفه4. والشعر كما قيل عن حق ديوان العرب، يستطيع الباحث الاستعانة به؛ ليجلو الكثير من نواحي المجتمع العربي الجاهلي، ومن أخلاق الجاهليين وعاداتهم وتقاليدهم.