الأمم المتبدية، كالبربر والترك والأكراد، وهي حالة اجتماعية تمر فيها الأمم في طور نشوئها وارتقائها1.
غير أن حالتهم الفكرية كانت من التقدم النسبي بحيث إن الدين الإسلامي بما انبثق عنه من نظم انقلابية ثورية، قد لقي استجابة منهم، فنفذ إلى قلوبهم ونقلهم بأيسر وجه إلى ميادين الحضارة، إذ تفهموا علوم اليونان والسريان وغيرهم، وتمثلوها وصهروها في بوتقة العروبة، وأقاموا على أسسها صروح حضارتهم العربية الإسلامية، التي استتمت جميع مقومات العبقرية والإلهام، وسحرت الكتاب والمستشرقين، فأفاضوا في وصفها، وتعمقوا في دراستها.
وبالرغم مما انطوى عليه العهد الجاهلي من عبادة للأوثان، ومن اعتقادات وطقوس اجتماعية بدائية جلها خرافي، فليس من العدل أن ترتسم عنه في الأذهان صورة سيئة ومشوهة، بحيث نتصوره وكأنه عهد ظلم وقاتم. ذلك أننا لو أمعنا النظر فيما اتصل بنا من ترك الجاهلية في الأدب والشعر والنثر والخطابة والأمثال والحكم، لرأينا أنه لا يمكن أن يصدر إلا عن شعب بلغ درجة كافية من التطور الفكري، وأن اللغة التي صيغ بها، لم تكن لتبلغ ما بلغته من كمال التركيب، والغنى بالمفردات، والدقة في التعبير، والبلاغة والمقدرة على أداء المعاني، لو لم يكن قد مضى على تطورها آنذاك قرون عديدة لا ندرك مداها. فقد قطعت شوطًا بعيدًا في التكامل والاستقرار2، وبلغت في عبقرية التعبير عن المعاني بألفاظ وتراكيب توافق الجرس والحركة والإيقاع شأوًا بعيدًا3، وأوفت على الكمال حتى أصبحت أتم اللغات السامية صرفا ونحوا وبلاغة4.
فالشعر الجاهلي بما اشتمل عليه من رائع الوصف وجمال الصور ونبل الأخلاق والمشاعر، وما يخلب اللب من فن الإيقاع5 لدليل ساطع على أن قائليه قد وُهبوا قسطًا