النتائج الفكرية التي أسفرت عنها رحلات المكيين إلى الحيرة أنهم قد نقلوا منها حروف الهجاء، الأمر الذي استتبع نشوء الخط المعروف باسم الخط الكوفي.
يقارن الجاحظ بين العرب وغيرهم من الأمم فيقول: "بأنه وإن عرف عن الهند واليونان وفارس تطرقهم إلى صنوف من العلم والفلسفة والمنطق والخطابة، إنما لم يتصفوا بالبيان وزلاقة اللسان وانثيال البديهة، بل كان ما خرج عنهم، إنما هو عن "طول فكرة، وعن اجتهاد وخلوة" بينما "كل شيء للعرب، إنما هو بديهة وارتجال، وكأنه إلهام ليس فيه معاناة ولا مكابدة" وأنهم بالرغم من كونهم أميين، كانوا مطبوعين لا يتكلفون، "تأتيهم المعاني إرسالًا، وتنثال عليهم الألفاظ انثيالًا" وأن كل ما خلفوه من شعر أو نثر لشاهد صادق على الديباجة الكريمة، والرونق العجيب، والسبك والنحت الذي لا يستطيع أشعر الناس اليوم أن يجاريه"1.
ويقول أحمد أمين: "إن العربي الجاهلي عصبي المزاج سريع الغضب، والمزاج العصبي يستتبع عادة ذكاء. وفي الحق: إن العربي ذكي، يظهر ذكاؤه في لغته, فكثيرا ما يعتمد على اللمحة الدالة، والإشارة البعيدة، كما يظهر في حضور بديهته، فما هو إلا أن يفاجأ بالأمر فيفجؤك بحسن الجواب"2.
مما تقدم تتضح لنا الخطوط الأساسية لمميزات الفكر العربي في الجاهلية. فالعربي الجاهلي لم يمارس العلم، ولم تكن له فلسفة ولا منطق، إنما تميزت ثقافته بالفنون الأدبية من خطابة ونثر وأمثال وشعر، تنثال عليه المعاني انثيالًا دون تكلف. فالسليقة الشعرية فيه طبع أصيل، وقد فطر على البديهة والارتجال والإلهام. وهو ذكي سريع الخاطر يعتمد على اللمحة الدالة والإشارة البعيدة.
إن هذه الثقافة لمما يتفق مع بداوة العيش، وهي طور مر العرب فيه. والبداوة كما قال ابن خلدون في حديثه عن العرب "جيل في الخلقة طبيعي" مثلهم كمثل غيرهم من