السنين. والعرب يعتقدون أن القتيل تخرج من رأسه هامة تنادي على قبره "اسقوني فإني صدية"، ولا ينقطع نداؤها إلا حين يؤخذ بثأره1. ومتى أدرك أولياء القتيل ثأرهم، ورأوا أن من قتلوه كفؤًا لقتيلهم، نام الثأر في صدورهم، وعندئذ يسمى "الثأر المنيم". أما الذي يتوانى عن طلب الثأر لقتيله فيلحقه العار, وقد يلحق العار القبيلة بأسرها إذا نامت عن ثأرها ولم تسعَ إليه، فينظر العرب إليها نظرة ازدراء واحتقار, وحتى من يقبل دية قتيله يُنظر إليه بمثل هذه النظرة.

وكثيرًا ما يتولد عن الانتقام للدم المسفوح ثأر جديد، يجر وراءه سلسلة من الثارات المتبادلة، أشبه ما يكون بالحلقة المفرغة، وقد يستغرق ذلك أجيالًا. كما قد تسوى الأمور، بأن يسلم القاتل طوعا أو كرها إلى أهل القتيل كي يقتلوه به، فلا يبقى مجال لطلب الثأر. لكن القبيلة التي تفعل ذلك تكون قد جلبت على نفسها عارا لا يمحى. لذلك فإن القبائل تفضل أن تقتل القاتل بدلًا من تسليمه طوعا للمطالبين به؛ دفعًا للعار.

وقد تتفق قبيلتان متحاربتان على تسوية الثارات بينهما لحقن الدماء فترضيان بالتحكيم، يتولاه شخص معين أو هيئة محكمين، يرضى بهم الطرفان، فيحكمون بأن تدفع القبيلة التي يكون قتلاها أقل من الثانية فضل الديات لها. وقد يحكمون بإبطال المطالبة ببعض الدماء، باعتبارها لا تستوجب دفع الدية، ويقال لذلك "الشدخ". والمثال على ذلك: الحكم الذي أصدره "يعمر بن عوف" بين قصي وخزاعة، فحكم بأن كل دم أصابه قصي من خزاعة موضوع، يشدخه قصي تحت قدميه، فسمي يعمر لذلك باسم "يعمر الشداخ"2.

خلاصة القول: أن العصبية والثأر هما صنوان متلازمان وأمران طبيعيان في

طور بواسطة نورين ميديا © 2015