الفرد في القبيلة أن يتضامن مع قبيلته على الخير والشر، وأن ينصر أخاه ظالمًا أو مظلومًا، وأن يكون أفراد القبيلة يدًا واحدة على من سواهم:
لا يسألون أخاهم حين يندبهم ... في النائبات على ما قال برهانا
إن هذا التضامن هو الذي يطلق عليه اسم "العصبية القبلية". والعصبية كما عرفها ابن خلدون: "النعرة على ذوي القربى وأهل الأرحام أن ينالهم ضيم أو أن تصيبهم هلكة" وإنها مظهر من مظاهر صلة الرحم، تلك الصلة التي هي شيء طبيعي في البشر.
وتتولد العصبية القبلية عند الأفراد عن وعي أو غير وعي، وتستمر بتعاقب الأجيال، على نمط عاطفة عميقة وفكرة ثابتة. فهي بمثابة الرباط الذي يشد بطون القبيلة وأفرادها بعضهم إلى بعض، فيجعلهم يدا واحدة, ولولا هذا الشعور لما كان في وسعهم أن يدافعوا عن أنفسهم ومصالحهم. فالعصبية القبلية بهذا المعنى هي البديل الذي لا بد منه للرابطة القومية، ولكن في حيزها المتطرف.
ويقترن بالعصبية القبلية عادة الثأر، إذ تقضي تقاليد البادية أن يطالب أهل المقتول بقاتله ليقتلوه به، وهو الأمر المعروف باسم "القَوَد" إلا إذا رضوا بدية القتيل. والدية تختلف باختلاف مركز القتيل من الناحية الاجتماعية، فالدية الواجبة عن الملوك والزعماء تختلف عن دية الأفراد والصعاليك، ودية الصريح ضعف دية الحليف. والذي جرى عليه العرب أن يأخذوا مائة من الإبل دية القتيل من عامتهم، ودية الأشراف تزيد على ذلك، بينما تكون دية الملوك ألف بعير1.
أما إذا لم يحصل القود، ولم يرضَ ذوو القاتل أو عشيرته بدفع الدية، ويكون القاتل قد لاذ بالفرار، عندئذٍ يصبح الأخذ بثأره واجبًا محتمًا. إذ يصمم ولي المقتول، ويكون عادة أقرب الناس إليه، على الأخذ بثأره، وغالبا ما يحرم على نفسه أن يشرب الخمر أو يقرب النساء أو يمس رأسه غسل حتى يدرك ثأره2، وقد يستغرق طلب الثأر عشرات