الصحراء، حيث لا قوة أو دولة تحمي الفرد إذا ضعف، أو تنتقم له إذا اعتدى عليه أحد، اللهم إلا عشيرته أو قبيلته. ولذا فرضت تقاليد البادية أن يثأر الفرد لنفسه أو لذويه، من كل من يلحق الأذى به أو بذويه. ويتضامن معه أفراد عشيرته، أو بطون قبيلته، في الوصول إلى حقه ضد أي فرد أو جماعة تعتدي عليه من خارج قبيلته. هذه التقاليد هي في البادية البديل الذي لا بد منه لوظائف الدولة، التي تعاقب وتحمي في المجتمعات الحضرية في عصرنا الحاضر.
ولا بد في هذه الحالة من أن يزداد الشعور القبلي والعصبية القبلية عمقًا وقوةً، بحيث يعتبر أفراد القبيلة أنفسهم جسمًا واحدًا لا تنفصم أجزاؤه عن بعضها؛ ولذا نجد أن العرب كانوا يطلقون على رتب الأنساب أسماء مأخوذة عن أعضاء الجسم، وكأنهم رتبوها على بنية الإنسان1. وهي ست مراتب رتبها الإمام الماوردي كما يلي: الشعب، القبيلة، العمارة، البطن، الفخذ، الفصيلة، وكلها أصول وفروع للنسب القبلي تقابل أسماء من أعضاء الجسم, وقد زاد بعضهم العشيرة قبل الفصيلة كما قال النووي. وهناك من رتب هذه المراتب نفسها على نسق آخر تقديما وتأخيرا.