على أنقاضها إمبراطورية عربية إسلامية مترامية الأطراف. فظهور الإسلام وانتشاره في شتى أرجاء العالم المعمور حادث كبير في التاريخ؛ إذ بفضله انتقل العرب من دور البداوة إلى دور الحضارة، واستعادوا ما كان لهم من دور حضاري وثقافي مرموق في الجنوب العربي، بعد أن تباعدت الشقة بينهم وبينه عبر القرون، وبدأ العرب بوجه عام يسهمون إسهامًا عظيمًا في خدمة الثقافة والعمران والتقدم البشري، ولعبوا دورًا مهمًّا في تنمية العلوم الطبيعية والاجتماعية، وكان لهم الفضل الأكبر في قيام النهضة الأوروبية اعتبارًا من القرن الخامس عشر؛ فكانت حضارة العرب بمثابة النسغ الذي استمدت حضارة الغرب الأوروبي منه مقومات كيانها.
رابعًا: والعالم العربي الآسيوي كان ولا يزال -بسبب موقعه الجغرافي وما تتميز به أراضيه من خصب وما تنتج من محاصيل وفيرة - محطَّ أنظار الفاتحين منذ أقدم العصور، وقبلة الطامعين بخيره الجزيل وغناه العظيم. والجزيرة العربية منه بوجه خاص -نظرًا لما تحتل من موقع جغرافي خاص باعتبارها الطريق المؤدي إلى الشرق الأقصى الغني بموارده، وبسبب احتواء طبقاتها الجوفية على بحر من الذهب الأسود تطفو فوقه- قد ازدادت أهميتها في العصر الحديث، لا سيما في نظر الدول الإمبريالية التي دفعها التهافت على اقتناص هذه الثروة الهائلة إلى الاستماتة في سبيل استعمارها، فوقعت أجزاؤها الجنوبية والشرقية لمدة طويلة فريسة للمطامع الاستعمارية الجشعة، ولا تزال مختلف أجزائها تعاني عقابيل السياسة الاستعمارية التي لا تزال تسعى جاهدة إلى إعاقة التطور العربي الصاعد لتبقى فريسة للجهل والتخلف، ولتظل لقمة سائغة في أفواه الطامعين.