الباحثين والمؤرخين على اختلاف جنسياتهم ومواطنهم. ويرجع ذلك إلى أسباب كثيرة أهمها:
أولًا: أن العالم العربي -وأخص بالذكر منه قسمه الآسيوي الذي هو موضوع هذا الكتاب- يحتل موقعا جغرافيا فريدا في ميزاته؛ وذلك بتوسطه قارات ثلاث: آسيا التي يقع في الزاوية الغربية - الجنوبية منها، وإفريقيا التي تحاذيه غربًا، وأوروبا التي تتصل به بواسطة الزاوية الجنوبية الشرقية منها عبر الزاوية الشمالية الشرقية من البحر الأبيض المتوسط. فالعالم العربي الآسيوي من العالم القديم بمثابة القلب النابض، كما هو أشبه بجسر يصل جميع هذه القارات بعضها ببعض. وهو -بوصفه محاطًا ببحار وخلجان من جهاته الثلاث الغربية والجنوبية والشرقية- من أفضل المناطق في العالم للنشاط التجاري بفضل تمتعه بميزات من شأنها أن تيسر المواصلات البرية العالمية ولا سيما البحرية، ذلك أنه لا بد لخطوط الملاحة العالمية أن تخترق البحار التي يطل عليها كمسالك تجارية تسلكها بصورة اضطرارية.
ثانيًا: أن الجزيرة العربية, التي تعتبر المهد الأصلي للشعوب السامية والمصدر الملهم للروح السامية التي انبثقت عنها جميع الأديان السماوية التوحيدية، قد شهدت -منذ أكثر من خمسة عشر قرنًا قبل الإسلام، ولا سيما في المناطق الجنوبية منها- انبثاق حضارة غنية بتراثها السياسي والحضاري والاجتماعي، الأمر الذي جعلها موضوع فيض من الدراسات قام بها علماء الآثار والتاريخ منذ أواخر القرن الثامن عشر وحتى الآن.
على أن عرب الشمال أيضًا، قبيل الرسالة الإسلامية، قد بلغوا في تطورهم العقلي درجة من التقدم النسبي والاستعداد الفكري كانت كفيلة بجعل الدين الإسلامي -بما جاء به من نظم انقلابية ثورية- ينفذ إلى قلوبهم ويستهوي نفوسهم، كما جعلت قيام نظام اجتماعي يجمع أشتاتهم في دولة واحدة أمرًا محتما.
ثالثًا: أن الأمة العربية التي لم يكن لها من حوافز الوحدة السياسية، قبل الإسلام، ما يؤهلها لأن تشكل دولة منظمة موحدة، تأخذ مكانها بين الدول القوية المجاورة لها، قد ارتفعت بفضل الإسلام، وما جاء به من حوافز فكرية وعقائد دينية واجتماعية، إلى مصاف هذه الدول، بل استطاعت أن تقوض أركان هذه الدول، وتبني